يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ - فَهُوَ إِكْرَاهٌ. وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ: إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ، وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي غِلَاقٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُهُ، وَأَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُمَا فِي إِغْلَاقٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: هُوَ الْمَحْفُوظُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْقُتَيْبِيُّ مَعْنَاهُ: فِي إِكْرَاهٍ، لَكِنْ فَسَّرَهُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ بِالْغَضَبِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي " الشَّافِي "؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَشْبَهَ الْإِكْرَاهَ عَلَى كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَعَنْهُ: لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ سُلْطَانٍ، ذَكَرَهَا ابْنُ هُبَيْرَةَ وَالْحُلْوَانِيُّ، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَلَوْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ - فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ؛ نَظَرًا إِلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ بِالْإِكْرَاهِ، فَيَبْقَى بِنِيَّةٍ مُجَرَّدَةٍ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكِنَايَةِ، إِنْ نَوَى بِهِ الطَّلَاقَ وَقَعَ، وَإِلَّا فَلَا، حَكَاهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ فِي " الِانْتِصَارِ "، وَحَكَى شَيْخُهُ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَيْنِ، وَجَعَلَ الْأَشْبَهَ الْوُقُوعَ، وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْمُؤَلِّفُ مَذْهَبًا، وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ طَلَاقًا، وَلَمْ يَتَأَوَّلْ بِلَا عُذْرٍ - أَنَّهُ لَا يَقَعُ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ. قَوْلُهُ: بِغَيْرِ حَقٍّ يَحْتَرِزُ بِذَلِكَ عَنِ الْإِكْرَاهِ بِحَقٍّ كَإِكْرَاهِ الْحَاكِمِ الْمُؤْلِي عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ التَّرَبُّصِ إِذَا لَمْ يَفِ، وَإِكْرَاهِ مَنْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ حُمِلَ عَلَيْهِ بِحَقٍّ، فَصَحَّ كَإِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ.
(وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ، وَأَخَذَ الْمَالَ قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ - فَهُوَ إِكْرَاهٌ) اخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُؤَلِّفُ، وَفِي " الْوَجِيزِ " لِقَوْلِ عُمَرَ فِي الَّذي قَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا وَإِلَّا قَطَعْتُهُ، فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَرَدَّهُ إِلَيْهَا، رَوَاهُ سَعِيدٌ، وَهَذَا كَانَ وَعِيدًا، وَلِأَنَّ الْإِكْرَاهَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْوَعِيدِ، فَإِنَّ الْمَاضِيَ لَا يَنْدَفِعُ بِفِعْلِ مَا أُكْرِهَ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ الْفِعْلُ الْمُكْرَهُ دَفْعًا لِمَا يَتَوَعَّدُ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ فِيمَا بَعْدُ، فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ لَهُ أُمُورٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَا هَدَّدَهُ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ الشَّدِيدِ، فَأَمَّا السَّبُّ وَالشَّتْمُ فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ - رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَكَذَا أَخْذُ الْمَالِ الْيَسِيرِ، وَالضَّرْبُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يُبَالَى بِهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّهْدِيدُ مِنْ قَادِرٍ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَمْ يَخَفْ وُقُوعَ الْمَحْذُورِ بِهِ، لِأَنَّهُ يُمْكِنُ دَفْعُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute