وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى، وَلَفْظُهُ الْأَمْرُ، وَالْخِيَارُ كِنَايَةٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ إِلَى نِيَّتِهِ، فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِ: أَنَّ أَمْرَكِ بِيَدِكِ عَلَى التَّرَاخِي، وَاخْتَارِي عَلَى الْفَوْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا تَنْفَسِخَ الْوَكَالَةُ، كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي بَيْعِ دَارٍ وَسَكَنَهَا (وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى) أَيْ: يُقَاسُ كُلٌّ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي كُلِّ مَسْأَلَةِ حُكْمَيْنِ، الْأَوَّلُ عَلَى التَّرَاخِي، وَأَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا، وَفِي الثَّانِيَةِ الْفَوْرُ، وَأَنْ لَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَّا بِشَرْطِهِ، قُلْتُ: كَلَامُ أَبِي الْخَطَّابِ فِي كِتَابِهِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ لَا يَقْتَضِي تَخْرِيجَ الْعَدَدِ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى، وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نَفْيُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْفَرْقِ مِنْ حَيْثُ التَّرَاخِي وَالْفَوْرِ - لَا مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ، وَغَدًا، وَبَعْدَ غَدٍ - فَلَهَا ذَلِكَ، فَإِنْ رَدَّتْهُ فِي الْأَوَّلِ بَطَلَ كُلُّهُ؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي الْيَوْمَ بَعْدَ غَدٍ، فَإِنَّهَا إِذَا رَدَّتْهُ فِي الْأَوَّلِ لَمْ يَبْطُلْ بَعْدَ غَدٍ؛ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ يَنْفَصِلُ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ، فَإِنْ نَوَى - بِقَوْلِهِ: اخْتَارِي نَفْسَكِ - إِيقَاعَ الثَّلَاثِ، وَقَعَ، وَإِنْ كَرَّرَ اخْتَارِي ثَلَاثًا، فَإِنْ أَرَادَ إِفْهَامَهَا وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةٌ - فَوَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَثَلَاثٌ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَرِوَايَتَانِ، قَالَهُ فِي " الْمُغْنِي "، فَلَوْ خَيَّرَهَا شَهْرًا فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا - لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ خِيَارٌ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ الْمَشْرُوطَ فِي عَقْدٍ لَا يَثْبُتُ فِي عَقْدٍ سِوَاهُ كَالْبَيْعِ.
فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ يَوْمًا، فَابْتِدَاؤُهُ مِنْ حِينِ تُطْلَقُ إِلَى مِثْلِهِ مِنَ الْغَدِ، وَإِنْ قَالَ: شَهْرًا، فَمِنْ سَاعَةِ نَطَقَ إِلَى اسْتِكْمَالِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ.
(وَلَفْظُهُ الْأَمْرُ وَالْخِيَارُ كِنَايَةٌ) ظَاهِرَةٌ وَخَفِيَّةٌ (فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ) وُقُوعُ الطَّلَاقِ (إِلَى نِيَّتِهِ) ؛ لِأَنَّ كِلَاهُمَا يَفْتَقِرُ إِلَى النِّيَّةِ عَلَى مَا مَضَى، وَكَذَا كَذِبُهُ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ (فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ نَحْوَ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، افْتَقَرَ إِلَى نِيَّتِهَا أَيْضًا) ؛ لِأَنَّهَا مُوقِعَةٌ لِلطَّلَاقِ بِلَفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute