النَّجَاسَةُ بَوْلًا، أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: لَا يَنْجُسُ، وَالْأُخْرَى: يَنْجُسُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ، فَلَا يَنْجُسُ. وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْمَاءِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
يَكُنْ بَوْلَ آدَمِيٍّ أَوْ عَذِرَتَهُ لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ، وَبِئْرِ بُضَاعَةَ، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ إِلَى نَجَاسَتِهِ إِلَّا أَنْ يَبْلُغَ حَدًّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ فَقِيلَ: مَا إِذَا حُرِّكَ أَحَدُ طَرَفَيْهِ لَمْ يَتَحَرَّكِ الْآخَرُ، وَقِيلَ: عَشَرَةُ أَذْرُعٍ فِي مِثْلِهَا، وَمَا دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ قَلِيلٌ، وَإِنْ بَلَغَ أَلْفَ قُلَّةٍ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ النَّجَاسَةُ بَوْلًا) أَيْ: بَوْلَ آدَمِيٍّ بِقَرِينَةِ ذِكْرِ الْعَذِرَةِ، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ، وَخُصَّ فِي " التَّلْخِيصِ " الْخِلَافُ بِهِ فَقَطْ، وَقَالَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ (أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً) لِأَنَّ أَجْزَاءَهَا تَتَفَرَّقُ فِي الْمَاءِ وَتَنْتَشِرُ، فَهِيَ كَالْبَوْلِ بَلْ أَفْحَشُ، وَالْمَذْهَبُ: أَنَّ حُكْمَ الرَّطْبَةِ وَالْيَابِسَةِ إِذَا ذَابَتْ كَذَلِكَ، نَصَّ عَلَيْهِ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ " وَالْأَوْلَى التَّفْرِيقُ بَيْنَ الرَّطْبَةِ وَالْمَائِعَةِ (فَفِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا: لَا يَنْجُسُ) اخْتَارَهَا أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَقَدَّمَهُ السَّامِرِيُّ، وَفِي " الْمُحَرَّرِ " لِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ، وَلِأَنَّ نَجَاسَةَ الْآدَمِيِّ لَا تَزِيدُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ، وَهُوَ لَا يُنَجِّسُهَا، فَهَذَا أَوْلَى (وَالْأُخْرَى يَنْجُسُ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ، وَالْمَرُّوذِيِّ، وَأَبِي طَالِبٍ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ، وَالشَّرِيفُ، وَالْقَاضِي، وَابْنُ عَبْدُوسٍ، وَأَكْثَرُ شُيُوخِ أَصْحَابِنَا، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي، ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ» .
لَفْظُ الْبُخَارِيِّ، وَقَالَ مُسْلِمٌ: ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَهُوَ خَاصٌّ فِي الْبَوْلِ. وَخَبَرُ الْقُلَّتَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى بَقِيَّةِ النَّجَاسَاتِ فَحَصَلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا (إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ لِكَثْرَتِهِ فَلَا يَنْجُسُ) هَذَا مُسْتَثْنًى مِمَّا سَبَقَ، وَهُوَ الْمَاءُ إِذَا كَانَ كَثِيرًا، وَوَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا كَانَتِ النَّجَاسَةُ بَوْلًا أَوْ عَذِرَةً مَائِعَةً، فَإِنَّهُ يَنْجُسُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْمَاءُ حَدًّا يَشُقُّ نَزْحُهُ. قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": لَا نَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ، مِثْلُ الْمَصَانِعِ الَّتِي جُعِلَتْ مَوْرِدًا لِلْحَاجِّ بِطَرِيقِ مَكَّةَ يَصْدُرُونَ عَنْهَا وَلَا يَنْفُذُ مَا فِيهَا أَنَّهَا لَا تَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغْيِيرِ، قَالَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute