النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ كَثِيرٌ طَهَّرَهُ إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
" الْمُغْنِي ": لَمْ أَجِدْ عَنْ أَحْمَدَ، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ تَقْدِيرَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمَصَانِعِ الَّتِي بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَقَالَ الشِّيرَازِيُّ: الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُقَدِّرُونَهُ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ، وَهِيَ سِتَّةُ أَشْبَارٍ فِي مِثْلِهَا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَقَدَّرْتُهَا فَوَجَدْتُهَا سِتَّةَ أَذْرُعٍ، وَسَأَلْتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا؛ قَالَ: لَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ: سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا، فَقَالَ: أَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِيهَا الْمَاءُ إِلَى الْعَانَةِ قُلْتُ: فَإِذَا نَقَصَ، قَالَ: دُونَ الْعَوْرَةِ.
تَنْبِيهَاتٌ - الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ مَائِعٍ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ يَنْجُسُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا فِي " الشَّرْحِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الرِّعَايَةِ " لِأَنَّهُ لَا يُطَهِّرُ غَيْرَهُ فَلَمْ يَرْفَعِ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ كَالْيَسِيرِ، وَفِي أُخْرَى: كَالْمَاءِ يَنْجُسُ إِنْ قَلَّ أَوْ تَغَيَّرَ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي ثَالِثَةٍ: مَا أَصْلُهُ الْمَاءُ كَالْخَلِّ التَّمْرِيِّ، فَهُوَ كَالْمَاءِ، وَغَيْرِهِ يَنْجُسُ مُطْلَقًا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَبَنٌ كَزَيْتٍ.
الثَّانِي: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ النَّجِسِ عَيْنِيَّةٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: لَا، لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى، وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ، وَلِهَذَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
الثَّالِثُ: إِذَا غَيَّرَتْ نَجَاسَةٌ بَعْضَ الطَّهُورِ الْكَثِيرِ، فَفِي نَجَاسَتِهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مَعَ كَثْرَتِهِ وَجْهَانِ، وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ طَهُورٌ.
(وَإِذَا انْضَمَّ إِلَى الْمَاءِ النَّجِسِ مَاءٌ طَاهِرٌ) أَيْ: طَهُورٌ (كَثِيرٌ طَهَّرَهُ، إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهِ تَغَيُّرٌ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ النَّجِسُ كَثِيرًا فَزَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِنَزْحٍ بَقِيَ بَعْدَهُ كَثِيرُ، طَهُرَ) هَذَا شُرُوعٌ فِي بَيَانِ تَطْهِيرِ الْمَاءِ النَّجِسِ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ النَّجِسُ دُونَ قُلَّتَيْنِ، فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ حَسْبَ الْإِمْكَانِ زَادَ فِي " الرِّعَايَةِ " عُرْفًا، وَاعْتَبَرَ الْأَزَجِيُّ، وَالسَّامِرِيُّ الِاتِّصَالَ فِيهِ بِقُلَّتَيْنِ طَهُورِيَّتَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُصَبَّ فِيهِ، أَوْ يَجْرِي إِلَيْهِ مِنْ سَاقِيَةٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَيَزُولُ بِهِمَا تَغَيُّرُهُ إِنْ كَانَ مُتَغَيِّرًا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ طَهُرَ بِمُجَرَّدِ الْمُكَاثَرَةِ، لِأَنَّ الْقُلَّتَيْنِ تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهَا، وَعَمَّا اتَّصَلَ بِهَا، وَلَا يَنْجُسُ إِلَّا بِالتَّغْيِيرِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّ النَّجِسَ الْقَلِيلَ لَا يَطْهُرُ بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّهُ عِلَّةُ نَجَاسَتِهِ الْمُلَاقَاةُ لَا التَّغْيِيرُ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ قُلَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ بِالنَّجَاسَةِ، فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ. أَوْ مُتَغَيِّرًا بِهَا فَتَطْهِيرُهُ بِالْمُكَاثَرَةِ إِذَا زَالَ التَّغَيُّرُ، وَبِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ، لِأَنَّ عِلَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute