وَمَسْكَنُهَا بِمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مُقَدَّرًا، لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهِ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَفْرِضُ لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ الْمُوسِرِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا مِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(مَا لَا غِنَى لَهَا عَنْهُ) بَيَانٌ لِمَا تُجِبُ النَّفَقَةُ (وَكِسَوْتُهَا بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ: إِذَا أَسْلَمَتْ نَفْسَهَا إِلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ، فَلَهَا عَلَيْهِ جَمِيعُ حَاجَتِهَا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَمَلْبُوسٍ (وَمَسْكَنُهَا) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَهُ لِلْمُطَلَّقَةِ بِقَوْلِهِ {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطلاق: ٦] فَيَجِبُ لِمَنْ هِيَ فِي صُلْبِ النِّكَاحِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَعَاشِرِتهَا بِالْمَعْرُوفِ ; لِأَنَّهَا لَا تَسْتَغْنِي عَنْهُ لِلِاسْتِتَارِ عَنِ الْعُيُونِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ، وَالتَّصَرُّفِ، وَالْحِفْظِ. (بِمَا يَصِلحُّ لِمِثْلِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ إِلَى الْمَسْكَنِ خَاصَّةً ; لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ عُلِمَ بِقَوْلِهِ " بِالْمَعْرُوفِ " وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَكَالنَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ. (وَلَيْسَ ذَلِكَ مُقَدَّرًا) لِحَدِيثِ هِنْدٍ (لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ) جَمِيعًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يُعْتَبَرُ حَالُ الْمَرْأَةِ عَلَى قَدْرِ كِفَايَتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٣] وَالْمَعْرُوفُ الْكِفَايَةُ، وَلِأَنَّ الْكِسْوَةَ عَلَى قَدْرِ حَالِهَا، فَكَذَا النَّفَقَةُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَحْدَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَلْبَسُونَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْبَيْهَقِيُّ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَرِعَايَةٌ لِكُلٍّ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَكَانَ أَوْلَى، وَحِينَئِذٍ فَالنَّفَقَةُ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: الْوَاجِبُ رِطْلَانِ مِنْ خُبْزٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ، وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ، وَالْمَذْهَبُ لَا يَجِبُ الْحَبُّ، فَلَوْ تَرَاضَيَا مَكَانَ الْخُبْزِ عَلَى حَبٍّ، أَوْ دَقِيقٍ جَازَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُعَاوَضَه حَقِيقَةً ; لِأَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يُعَيِّنِ الْوَاجِبَ بِأَكْثَرَ مِنَ الْكِفَايَةِ فَبِأَيِّ شَيْءٍ حَصَلَتْ كَانَ هُوَ الْوَاجِبَ (فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهِ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ) أَوْ نَائِبِهِ ; لِأَنَّهُ أَمْرٌ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ فَرَجَعَ فِيهِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ، أَوْ نَائِبِهِ كَسَائِرِ الْمُخْتَلَفَاتِ، وَلِأَنَّهُ وُضِعَ لِقَطْعِ النِّزَاعِ (فَيَفْرِضُ لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute