للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا قَبَضَتِ النَّفَقَةَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يَنْهِكُ بَدَنَهَا، وَإِنْ غَابَ مُدَّةً وَلَمْ يُنْفِقْ، فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى، وَعَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ إِكْمَالِهَا، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَكَنَفَقَةِ الْيَوْمِ، وَقِيلَ: تَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ، وَقِيلَ: بِالْكِسْوَةِ، وَقِيلَ: كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ، جَزَمَ بِهِ فِي " الْمُنْتَخَبِ "، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: لَا يَرْجِعُ فِيهِمَا إِنْ بَانَتْ وَيَرْجِعُ إِنْ أَبَانَهَا بِطَلَاقٍ، أَوْ فَسْخٍ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ إِلَّا يَوْمَ الْفُرْقَةِ وَالسَّلَفِ وَهُوَ أَصَحُّ إِلَّا عَلَى النَّاشِزِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ " لَا تَرْجِعُ بِمَا وَجَبَ كَيَوْمٍ وَكِسْوَةِ سَنَةٍ، بَلْ بِمَا لَمْ يَجِبْ، وَيَرْجِعُ بِنَفَقَتِهَا مِنْ مَالٍ غَائِبٍ بَعْدَ مَوْتِهِ بِظُهُورِهِ عَلَى الْأَصَحِّ (وَإِذَا قَبَضَتِ النَّفَقَةَ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا) مِنْ بَيْعٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ; لِأَنَّهَا حَقُّهَا فَمَلَكَتِ التَّصَرُّفَ فِيهَا كَسَائِرِ مَالِهَا، لَكِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوطٌ بِقَوْلِهِ (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا، وَلَا يَنْهِكُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يُجْهِدُهُ (بَدَنَهَا) فَإِنْ عَادَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ فِي بَدَنِهَا، أَوْ نَقْصٌ مِنِ اسْتِمْتَاعِهَا لَمْ تَمْلِكْهُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّهُ بِذَلِكَ، وَالْكِسْوَةُ كَالنَّفَقَةِ فِي ذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ الْمَنْعُ ; لِأَنَّ لَهُ اسْتِرْجَاعَهَا لَوْ طَلَّقَهَا فِي وَجْهٍ، بِخِلَافِ النَّفَقَةِ.

فَرْعٌ: إِذَا أَكَلَتْ مَعَهُ عَادَةً، أَوْ كَسَاهَا بِلَا إِذْنٍ، وَلَمْ يَتَبَرَّعْ سَقَطَتْ، وَفِي " الرِّعَايَةِ ": وَهُوَ ظَاهِرُ " الْمُغْنِي " إنْ نَوَى أَنْ يَعْتَدَّ بِهَا (وَإِنْ غَابَ مُدَّةً، وَلَمْ يُنْفِقْ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى) وَلَمْ تَسْقُطْ، بَلْ تَكُونُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، سَوَاءٌ تَرَكَهَا لِعُذْرٍ، أَوْ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَقَالَهُ الْأَكْثَرُ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، قَالَ: أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا، أَوْ يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حَبَسُوا. وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهُوَ ثَابِتٌ عَنْ عُمَرَ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ لَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْعِوَضِ فَرَجَعَتْ بِهِ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: هَذِهِ نَفَقَةٌ وَجَبَتْ بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالْإِجْمَاعِ، وَلَا يَزُولُ مَا وَجَبَ بِهَذِهِ الْحُجَجِ إِلَّا بِمِثْلِهَا، وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَالنَّفَقَةِ، ذَكَرَهُ فِي " الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى " (وَعَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا) اخْتَارَهُ فِي " الْإِرْشَادِ "، وَفِي " الرِّعَايَةِ "، أَوِ الزَّوْجِ بِرِضَاهَا ; لِأَنَّهَا نَفَقَةٌ تَجِبُ يَوْمًا فَيَوْمًا فَتَسْقُطُ بِتَأْخِيرِهَا إِذَا لَمْ يَفْرِضْهَا الْحَاكِمُ كَنَفَقَةِ الْأَقَارِبِ، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ نَفَقَةَ الْأَقَارِبِ وَصَلْةٌ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَسَارُ مِنَ الْمُنْفِقِ وَالْإِعْسَارُ مِمَّنْ تَجِبُ لَهُ، بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، وَتَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ حَسْبَمَا وَجَبَتْ لَهَا، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، وَيَصِحُّ ضَمَانُهَا عَلَى الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ مَآلَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>