للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَالَ: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» . فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَحَبَسَهُ، فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ دَفَعَ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ. فَإِنْ غَيَّبَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ فَلَهَا الْفَسْخُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لَهَا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

قِوَامَ إِلَّا بِهَا، وَلِأَنَّهَا تَتَجَدَّدُ بِتَجَدُّدِ الزَّمَانِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَتَشُقُّ الْمُرَافَعَةُ إِلَى الْحَاكِمِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِهَا فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهَا تَسْقُطُ بِفَوَاتِ وَقْتِهَا عِنْدَ جَمْعِ مَا لَمْ يَفْرِضْهَا حَاكِمٌ، بِخِلَافِ الدَّيْنِ، فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عِنْدَ أَحَدٍ بِتَرْكِ الْمُطَالَبَةِ، وَفِي " الرَّوْضَةِ " الْقِيَاسُ مَنْعُهَا تَرَكْنَاهُ لِلْخَبَرِ، وَفِي وَلَدِهَا وَجْهٌ فِي " التَّرْغِيبِ "، لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى الْمَذْهَبِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ» فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنَ الْأَخْذِ مُطْلَقًا، وَجَوَابُهُ: حَدِيثُ هِنْدٍ ; لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالنَّفَقَةِ فَقُدِّمَ عَلَى غَيْرِهِ.

فَرْعٌ: لَا تَقْتَرِضُ عَلَى الْأَبِّ، وَلَا تُنْفِقُ عَلَى الصَّغِيرِ مِنْ مَالِهِ إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهِ (فَإِنْ لَمْ تَقْدِرْ) أَيْ: عَلَى الْأَخْذِ مِنْ مَالِهِ رَافَعَتْهُ إِلَى الْحَاكِمِ فَيَأْمُرُهُ بِالْإِنْفَاقِ (أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ) أَيْ: عَلَى الْإِنْفَاقِ (وَ) إِنْ أَبَى (حَبَسَهُ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ وُضِعَ لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ، وَالْحَبْسُ طَرِيقٌ إِلَى الْفَصْلِ فَتَعَيَّنَ فِعْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ دَفَعَ) الْحَاكِمُ (النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ) لِأَنَّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، فَإِذَا امْتَنَعَ مَنْ عَلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ أَدَائِهِ وَجَبَ الدَّفْعُ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ مِنْ مَالِ خَصْمِهِ كَالدَّيْنِ، بَلْ أَوْلَى ; لِأَنَّهَا آكَدُ مِنَ الدَّيْنِ بِدَلِيلِ جَوَازِ الْأَخْذِ بِغَيْرِ إِذْنِ الْمَالِكِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا عَرُوضًا، أَوْ عَقَارًا بَاعَهُ وَدَفَعَ إِلَيْهَا مِنْ ثَمَنِهِ كَالنَّقْدَيْنِ وَيَدْفَعُهَا مِنْهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ.

تَنْبِيهٌ: حُكْمُ وَكِيلِهِ حُكْمُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ، وَالْأَخْذِ مِنَ الْمَالِ عِنْدَ امْتِنَاعِهِ، فَإِنِ ادَّعَتْ يَسَارَهُ فَأَنْكَرَ، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ قُبِلَ قَوْلُهَا، وَإِلَّا قَوْلُهُ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي فَرْضِ الْحَاكِمِ لَهَا، أَوْ فِي وَقْتِهَا، فَقَالَ: فَرَضَهَا مُنْذُ شَهْرٍ، فَقَالَتْ: بَلْ مُنْذُ عَامٍ قُبِلَ قَوْلُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ مَعَهُ (فَإِنْ غَيَّبَهُ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ فَلَهَا الْفَسْخُ) إِذَا غَيَّبَ الزَّوْجُ مَالَهُ وَتَعَذَّرَ الْإِنْفَاقُ مِنْ جِهَتِهِ وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ فَلَهَا الْفَسْخُ كَمَا لَوْ كَانَ مُعْسِرًا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ،

<<  <  ج: ص:  >  >>