للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي، وَإِنْ رَمَاهُ فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ، فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ، وَإِنْ أَكْرَهَ إِنْسَانًا عَلَى الْقَتْلِ فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا أَوْ عَبْدَهُ الَّذِي لَا يَعْلَمُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

عُمَرَ لَمَّا جُرِحَ وَسُقِيَ لَبَنًا فَخَرَجَ مِنْ جَوْفِهِ، فَعَلَمَ أَنَّهُ مَيِّتٌ وَعَهَدَ إِلَى النَّاسِ وَجَعَلَ الْخِلَافَةِ فِي أَهْلِ الشُّورَى فَقَبِلَ الصَّحَابَةُ عَهْدَهُ وَعَمِلُوا بِهِ

(وَإِنْ رَمَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي) لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَيَاتَهُ قَبْلَ الْمَصِيرِ إِلَى حَالٍ يُيْأَسُ فِيهَا مِنْ حَيَاتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ رَمَاهُ بِسَهْمٍ فَبَادَرَهُ آخَرُ فَقَطَعَ عُنُقَهُ قَبْلَ وُصُولِ السَّهْمِ إِلَيْهِ، وَلِأَنَّ الرَّمْيَ سَبَبٌ، وَالْقَتْلَ مُبَاشَرَةٌ (وَإِنْ رَمَاهُ فِي لُجَّةٍ فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ، فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) جَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَقَدَّمَهُ فِي " الْفُرُوعِ " وَهُوَ الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّهُ تَسَبَّبَ إِلَى قَتْلِهِ، وَلَمْ تُوجَدْ مُبَاشَرَةٌ فَصَلُحَ إِسْنَادُ الْقَتْلِ إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَعْمَلَ السَّبَبُ عَمَلَهُ وَبِهِ فَارِقٌ مَا تَقَدَّمَ، وَالثَّانِي: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ، وَالْإِتْلَافَ حَصَلَ بِالْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ يُوجِبُ بقَطْعُ التَّسَبُّبِ وَكَمَا لَوْ مَنَعَهُ مَوْجٌ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ كَانَ الْمَاءُ غَيْرَ مُغْرِقٍ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ; لِأَنَّ قَطْعَ التَّسَبُّبِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِشَرْطِ صَلَاحِيَةِ إِسْنَادِ التَّلَفِ إِلَى الْمُبَاشَرَةِ، وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا، وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَلْتَقِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ الْمَاءَ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْغَرَقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَقِيلَ: إِنِ الْتَقَمَهُ بَعْدَ حُصُولِهِ فِيهِ قَبْلَ غَرَقِهِ، وَقِيلَ: شِبْهُ عَمْدٍ وَمَعَ قِلَّةٍ، فَإِنْ عَلِمَ بِالْحُوتِ فَالْقَوَدُ وَإِلَّا دِيَةٌ

١ -

(وَإِنْ أَكْرَهَ إِنْسَانًا) مُكَلَّفًا (عَلَى الْقَتْلِ) أَيْ: عَلَى قَتْلِ مُكَافِئِهِ (فَقَتَلَ فَالْقِصَاصُ) أَوِ الدِّيَةُ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَ " الْوَجِيزِ " (عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ تَسَبَّبَ إِلَى قَتْلِهِ بِمَا يُفْضِي إِلَيْهِ غَالِبًا، أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْهَشَهُ حَيَّةً، وَالْمُكْرَهُ قَتَلَهُ ظُلْمًا لِاسْتِبْقَاءِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي الْمَجَاعَةِ لِيَأْكُلَهُ، فَعَلَى هَذَا إِنْ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى الدِّيَةِ فَهِيَ عَلَيْهِمَا كَالشَّرِيكَيْنِ، وَفِي " الْمُوجَزِ " إِذَا قُلْنَا: تُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمُكْرَهٍ وَيَتَوَجَّهُ عَكْسُهُ، لَا يُقَالُ: الْمُكْرَهُ مُلْجَأٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ ; لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنَ الِامْتِنَاعِ، وَلِهَذَا يَأْثَمُ بِالْقَتْلِ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَمَّا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْقَتْلِ

١ -

(وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ أَوْ مَجْنُونًا) أَوْ أَعْجَمِيًّا، لَا يَعْلَمُ خَطَرَ الْقَتْلِ، وَفِي " الرِّعَايَةِ " وَ " الْفُرُوعِ ": أَوْ كَبِيرًا يَجْهَلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>