وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّهُ غَرَّهُ وَالْآخَرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِهِ وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعَفْوِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْوَكِيلِ، هَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ عِلْمِهِ؟ فَعَلَى الْأَوَّلِ: لَا ضَمَانَ عَلَى أَحَدٍ ; لِأَنَّهُ قَتَلَ مَنْ يَجِبُ قَتْلُهُ بِأَمْرٍ يَسْتَحِقُّهُ. وَعَلَى الثَّانِي، وَهُوَ صِحَّةُ الْعَفْوِ: لَا قِصَاصَ فِيهِ ; لِأَنَّ الْوَكِيلَ قَتَلَ مَنْ يَعْتَقِدُ إِبَاحَةَ قَتْلِهِ كَالْحَرْبِيِّ، وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَيَتَخَرَّجُ أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ) لِأَنَّهُ قَتَلَ مَعْصُومًا (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ ; لِأَنَّهُ غَرَّهُ) أَشْبَهَ الْمَغْرُورَ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَتَزْوِيجِ مَعِيبَةٍ (وَالْآخَرُ لَا يَرْجِعُ بِهِ) اخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّهُ مُحْسِنٌ بِالْعَفْوِ، بِخِلَافِ الْغَارِّ بِالْحُرِّيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ عَلَيْهِ (وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِهِ) أَيِ: الْوَكِيلُ ; لِأَنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْقَتْلِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ الْقَوَدُ عَنْهُ لِمَعْنًى آخَرَ، فَهُوَ كَقَتْلِ الْأَبِ (وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَكُونُ عَلَى عَاقِلَتِهِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، وَاخْتَارَهُ الْمُؤَلِّفُ، قَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ مَحْضٍ، وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ بِهِ قَوَدٌ، فَيَكُونُ عَمْدَ الْخَطَأِ، أَشْبَهَ مَنْ رَمَى صَيْدًا فَبَانَ آدَمِيًّا، فَعَلَى قَوْلِ الْقَاضِي إِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ عَفَا إِلَى الدِّيَةِ فَلَهُ الدِّيَةُ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي وَلِوَرَثَةِ الْجَانِي مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِدِيَتِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُوَكِّلِ مُطَالَبَةُ الْوَكِيلِ بِشَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ عَفْوُهُ بَعْدَ الْقَتْلِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ عَلِمَ الْوَكِيلُ بِالْعَفْوِ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ.
فَائِدَةٌ: إِذَا اسْتَحَقَّ قَتْلَهُ، وَقَطْعَهُ، فَعَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا بَقِيَ الْآخَرُ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ عَفَا عَنِ الْقَتْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَلَهُ الْقَتْلُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ تَصَالَحَا عَنِ الْقَوَدِ بِمِائَتَيْ بَعِيرٍ، وَقُلْنَا: يَجِبُ الْقَوَدُ أَوْ دِيَةٌ، بَطَلَ وَإِلَّا فَلَا (وَإِنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ صَحَّ) لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بَعْدَ انْعِقَادِ سَبَبِهِ فَسَقَطَ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الشُّفْعَةَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَكَعَفْوِ وَارِثِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا، أَوْ خَطَأً، أَوْ كَانَ الْعَفْوُ بِلَفْظِهِ، أَوِ الْوَصِيَّةِ ; لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَصَحَّ عَفْوُهُ عَنْهُ كَمَالِهِ، وَعَنْهُ: فِي الْقَوَدِ إِنْ كَانَ الْجُرْحُ لَا قَوَدَ فِيهِ لَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute