فَتَآكَلَتْ أُخْرَى إِلَى جَانِبِهَا وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تَآكَلَتِ الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنَ الْكُوعِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ شُلَّ فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ الْقِصَاصِ وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ. فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ قِصَاصًا فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُبَاشَرَتُهُ بِالْإِتْلَافِ، وَنَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ قَطَعَ إِصْبَعًا فَتَآكَلَتْ أُخْرَى إِلَى جَانِبِهَا وَسَقَطَتْ مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تَآكَلَتِ الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنَ الْكُوعِ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ) فِي قَوْلِ إِمَامِنَا ; لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الْقَوَدُ بِالْجِنَايَةِ وَجَبَ بِالسِّرَايَةِ كَالنَّفْسِ، وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ: لَا قَوَدَ فِي الثَّانِيَةِ وَتَجِبُ دِيَتُهَا ; لِأَنَّ مَا أَمْكَنَ مُبَاشَرَتُهُ بِالْجِنَايَةِ، لَا يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إِلَى شَخْصٍ فَمَرَقَ مِنْهُ إِلَى آخَرَ، وَجَوَابُهُ: مَا سَبَقَ، وَبِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ، وَفَارَقَ مَا ذَكَرُوهُ ; لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ، وَلَيْسَ بِسِرَايَةٍ، وَلَوْ قَصَدَ قَطْعَ إِبْهَامِهِ فَقَطَعَ سَبَّابَتَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ (وَإِنْ شَلَّ) بِفَتْحِ الشِّينِ، وَقِيلَ: بِضَمِّهَا (فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ الْقِصَاصِ) إِذَا شُلَّ وَجَبَ الْقَوَدُ فِي الْأُولَى، وَالْأَرْشُ فِي الثَّانِيَةِ ; لِأَنَّ الشَّلَلَ حَصَلَ بِالسِّرَايَةِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ، وَلِأَنَّهَا جِنَايَةٌ مُوجِبَةٌ لِلْقَوَدِ كَمَا لَوْ لَمْ تَسْرِ وَكَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ حُبْلَى فَسَرَى إِلَى جَنِينِهَا، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا قَوَدَ بِنَقْصِهِ بَعْدَ بُرْئِهِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ، فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ ; لِأَنَّهُ جِنَايَةُ عَمْدٍ، وَإِذَا قَطَعَ لَهُ إِصْبَعًا فَشُلَّتْ أَصَابِعُهُ الْبَاقِيَةُ وَكَفُّهُ وَجَبَ لَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنِ اقْتَصَّ مِنَ الْإِصْبَعِ فَلَهُ فِي الْبَاقِيَةِ أَرْبَعُونَ مِنَ الْإِبِلِ وَيَتْبَعُهَا مَا حَاذَى الْكَفَّ، وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ فَيَدْخُلُ أَرْشُهُ فِيهَا وَيَبْقَى خُمْسٌ مِنْهَا لِلْكَفِّ، وَفِيهِ وَجْهَانِ (وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ ; لِمَا رَوَى سَعِيدٌ أَنَّ عُمَرَ، وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَا: مَنْ مَاتَ مِنْ حَدٍّ، أَوْ قِصَاصٍ لَا دِيَةَ لَهُ، الْحَقُّ قَتْلُهُ، وَلِأَنَّهُ قَطْعٌ مُسْتَحَقٌّ مُقَدَّرٌ، فَلَا تُضْمَنُ سِرَايَتُهُ كَقَطْعِ السَّارِقِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ سِرَايَتِهِ إِلَى النَّفْسِ، أَوْ إِلَى مَا دُونَهَا (فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ قِصَاصًا فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ) لِأَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ، بِخِلَافِ قِسْمِ الْخَطَأِ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِمَسْأَلَةِ: اقْتُلْنِي، أَوِ اجْرَحْنِي، مَعَ تَحْرِيمِ الْإِذْنِ وَالْقَطْعِ، فَهُنَا أَوْلَى، وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا إِذَا اسْتَوْفَاهُ قَهْرًا مَعَ الْخَوْفِ مِنْهَا كَحَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، أَوْ كُلُولِ آلَةٍ، أَوْ مَسْمُومَةٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ بَقِيَّةَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute