وَلَا يُقْتَصُّ مِنَ الطَّرَفِ إِلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ. فَإِنِ اقْتَصَّ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ جُرْحِهِ، فَإِنْ سَرَى إِلَى نَفْسِهِ كَانَ هَدَرًا، وَإِنْ سَرَى الْقِصَاصُ إِلَى نَفْسِ الْجَانِي كَانَ هَدَرًا أَيْضًا.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الدِّيَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ نِصْفَهَا، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: مَنْ لَهُ قَوَدٌ فِي نَفْسٍ، أَوْ طَرَفٍ فَقَطَعَ طَرَفَهُ فَسَرَى إِلَى أَوْصَالِ مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فَدَفَعَهُ دَفْعًا جَائِرًا فَقَتَلَهُ، هَلْ يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ كَمَا يُجْزِئُ إِطْعَامُ مُضْطَرٍّ مِنْ كَفَّارَةٍ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ بَذْلُهُ لَهُ، وَكَذَا مَنْ دَخَلَ مَسْجِدًا فَصَلَّى قَضَاءً وَنَوَى كَفَاهُ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ؟ فِيهِ احْتِمَالَانِ (وَلَا يَقْتَصُّ مِنَ الطَّرَفِ إِلَّا بَعْدَ بُرْئِهِ) فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ رَجُلًا طَعَنَ رَجُلًا بِقَرْنٍ فِي رُكْبَتِهِ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَقَالَ: حَتَّى تَبْرَأَ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَقِدْنِي، فَأَقَادَهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرِجْتُ، فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُكَ فَعَصَيْتَنِي فَأَبْعَدَكَ اللَّهُ وَبَطَلَ عَرَجُكَ " ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ حَتَّى يَبْرَأَ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ الْجُرْحَ لَا يُدْرَى أَيُؤَدِّي إِلَى الْقَتْلِ أَمْ لَا؟ فَيَجِبُ أَنْ يُنْتَظَرَ لِيُعْلَمَ حُكْمُهُ، وَفِي ثَانِيَةٍ وَحَكَاهَا فِي " الشَّرْحِ " تَخْرِيجًا يَجِبُ قَبْلَ الْبُرْءِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِنَا: إِنَّهُ إِذَا سَرَى إِلَى النَّفْسِ يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ ; لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِي الطَّرَفِ لَا يَسْقُطُ بِالسِّرَايَةِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكَهُ فِي الْحَالِ، كَمَا لَوْ بَرِئَ، لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ، قَالَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": لَوْ قَطَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَدًا فَلَهُ أَخْذُ دِيَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْحَالِ قَبْلَ الِانْدِمَالِ وَبَعْدَهُ، لَا الْقَوَدُ قَبْلَهُ (فَإِنِ اقْتَصَّ قَبْلَ ذَلِكَ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ جُرْحِهِ) لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قَالَ: «لَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِنَّكَ عَجِلْتَ» رَوَاهُ سَعِيدٌ مُرْسَلًا، وَلِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ حَقَّهُ فَبَطَلَ حَقُّهُ كَقَتْلِ مُوَرِّثِهِ (فَإِنْ سَرَى إِلَى نَفْسِهِ كَانَ هَدَرًا) أَيْ: سِرَايَةُ الْجُرْحِ إِلَى نَفْسِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ هَدَرٌ، إِذَا اقْتَصَّ مِنَ الْجَانِي قَبْلَ بُرْءِ جُرْحِهِ ; لِأَنَّ حَقَّهُ بَطَلَ بِاسْتِعْجَالِهِ وَمَعَ بُطْلَانِهِ يَتَعَيَّنُ كَوْنُ السِّرَايَةِ إِلَى نَفْسِهِ هَدَرًا (وَإِنْ سَرَى الْقِصَاصُ إِلَى نَفْسِ الْجَانِي كَانَ هَدَرًا أَيْضًا) قَالَ أَحْمَدُ: قَدْ دَخَلَهُ الْعَفْوُ بِالْقِصَاصِ، وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِخَبَرٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلِأَنَّ سِرَايَةَ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ.
١ -
فَرْعٌ: إِذَا اقْتَصَّ بَعْدَ الِانْدِمَالِ، ثُمَّ انْتَقَضَ جُرْحُ الْجِنَايَةِ فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ وَجَبَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute