بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ، أَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنَ الشَّهَادَةِ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا، فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ. وَإِنْ كَانُوا فُسَّاقًا أَوْ عُمْيَانًا، أَوْ بَعْضُهُمْ، فَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ، وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجًا، حُدَّ الثَّلَاثَةَ، وَلَاعَنَ الزَّوْجُ إِنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَشَهِدَ، لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَلَوْلَا اشْتِرَاطُ الْمَجْلِسِ لَكَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَبِهَذَا يُفَارِقُ سَائِرَ الشَّهَادَاتِ. وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ١٣] وَلَمْ يَذْكُرِ الْمَجْلِسَ، وَلِأَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ مَقْبُولَةٍ إِذَا افْتَرَقَتْ كَغَيْرِهَا، وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْآيَةَ لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلشُّرُوطِ (سَوَاءٌ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ) أَيْ: وَاحِدًا بَعْدَ آخَرَ، لِقِصَّةِ الْمُغِيرَةِ، فَإِنَّهُمْ جَاءُوا مُفْتَرِقِينَ، وَسُمِعَتْ شَهَادَتُهُمْ، وَإِنَّمَا حُدُّوا لِعَدَمِ كَمَالِهَا، وَفِي الْحَدِيثِ: أَنَّ أَبَا بَكَرَةَ قَالَ لِعُمَرَ: أَرَأَيْتَ لَوْ جَاءَ آخَرُ فَشَهِدَ أَكُنْتَ تَرْجَمُهُ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِي وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، وَلِأَنَّهُمُ اجْتَمَعُوا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ جَاءُوا (أَوْ مُجْتَمِعِينَ) وَلِأَنَّ الْمَجْلِسَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَائِهِ، وَلِهَذَا يُجْزِئُ فِيهِ الْقَبْضُ فِيمَا هُوَ شَرْطٌ فِيهِ (فَإِنْ جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ) مِنْ مَجْلِسِهِ، فَهُمْ قَذَفَةٌ، لِأَنَّ شَهَادَتَهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَلَا صَحِيحَةٍ، أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ أَصْلًا، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ (أَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنَ الشَّهَادَةِ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا، فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النور: ٤] وَهَذَا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى كُلِّ رَامٍ لَمْ يَشْهَدْ بِمَا قَالَهُ أَرْبَعَةٌ، وَلِأَنَّ عُمَرَ جَلَدَ أَبَا بَكَرَةَ وَأَصْحَابَهُ، حَيْثُ لَمْ يُكْمِلِ الرَّابِعُ شَهَادَتَهُ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ، وَحَكَى أَبُو الْخَطَّابِ رِوَايَةً أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّهُمْ شُهُودٌ، فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ كَمَا لَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، أَحَدُهُمْ فَاسِقٌ.
فَرْعٌ: كُلُّ زِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ بِالِاتِّفَاقِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ: اللِّوَاطُ، وَوَطْءُ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا، وَوَطْءُ الْبَهِيمَةِ، إِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْحَدُّ بِهِ، وَإِنْ قُلْنَا: يُعَزَّرُ، فَيُقْبَلُ بِشَاهِدَيْنِ، وَقِيلَ: بِأَرْبَعَةٍ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كُلُّ وَطْءٍ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَقَطْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطْئًا كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ، تَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ وَجْهًا وَاحِدًا (وَإِنْ كَانُوا فُسَّاقًا، أَوْ عُمْيَانًا، أَوْ بَعْضَهُمْ) أَوْ بَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ عَبْدٌ، وَلَمْ يَقْبَلْهُ (فَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) عَلَى الْمَذْهَبِ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي كَمَا لَوْ لَمْ يَكْمُلِ الْعَدَدُ، وَكَمَا لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مَجْبُوبًا أَوْ رَتْقَاءَ (وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ، لِأَنَّهُمْ أَرْبَعَةٌ فَدَخَلُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute