للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ وَلَا لِلتَّدَاوِي، وَلَا لِعَطَشٍ، وَلَا لِغَيْرِهِ، إِلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا،

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعْدٍ، وَأُبَيٍّ، وَأَنَسٍ، وَعَائِشَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا طُبِخَ وَذَهَبَ ثُلُثَاهُ، وَنَقِيعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ إِذَا طُبِخَ وَلَمْ يَذْهَبْ ثُلُثَاهُ، وَنَبِيذُ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، نَقِيعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ - حَلَالٌ، إِلَّا مَا بَلَغَ السُّكْرَ، وَجَوَابُهُ: مَا رَوَتْ عَائِشَةُ مَرْفُوعًا: «مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ مِنْهُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَسَعِيدٌ، وَأَبُو بَكْرٍ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ، وَظَاهِرُهُ: يَقْتَضِي أَنَّ الْحَشِيشَةَ لَا تُسْكِرُ، لَكِنَّ قَوْلَهُ: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» يَقْتَضِي أَنَّهَا تُسْكِرُ، قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْمِصْرِيَّةِ: الْحَشِيشَةُ الْمُسْكِرَةُ حَرَامٌ، وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي الْحَدِّ، لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهَا تُغَطِّي الْعَقْلَ كَالْبَنْجِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسْكِرُ، وَإِنَّمَا كَانَتْ نَجِسَةً بِخِلَافِ الْبَنْجِ، وَجَوَّزَة الطَّيبُ: لِأَنَّهَا تُسْكِرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، كَالْخَمْرِ يُسْكِرُ بِالِاسْتِحَالَةِ، وَالْبَنْجُ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ وَيُسْكِرُ بِغَيْرِ الِاسْتِحَالَةِ، كَجَوْزَةِ الطَّيبِ (وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَذَّةٍ) لِعُمُومِ «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ» (وَلَا لِلتَّدَاوِي) لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ: «أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ، أَوْ كَرِهَ لَهُ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ حَسَّانِ بْنِ مُخَارِقٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ لِعَيْنِهِ فَلَمْ يَحِلَّ شُرْبُهُ لِلتَّدَاوِي، كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ (وَلَا لِعَطَشٍ) لِأَنَّهُ لَا يُذْهِبُهُ وَلَا يُزِيلُهُ وَلَا يَدْفَعُ مَحْذُورَهُ، فَوَجَبَ بَقَاؤُهُ عَمَلًا بِالْأَدِلَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِذَلِكَ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنَ الْمُعَارِضِ (وَلَا لِغَيْرِهِ إِلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا) فَيَجُوزُ تَنَاوُلُهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَخَافَ التَّلَفَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣] وَلِأَنَّ حِفْظَ النَّفْسِ مَطْلُوبٌ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ تُبَاحُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الِاضْطِرَارِ إِلَيْهَا، وَهُوَ مَوْجُودٌ هُنَا، فَوَجَبَ جَوَازُهُ تَحْصِيلًا لِحِفْظِ النَّفْسِ الْمَطْلُوبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>