وَمَنْ شَرِبَهُ مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ، قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، فَعَلَيْهِ الْحَدُّ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حِفْظُهَا، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ بَوْلًا، وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمَا مَاءً نَجِسًا (وَمَنْ شَرِبَهُ) وَهُوَ مُكَلَّفٌ (مُخْتَارًا عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ) وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّتِهِمْ، وَكَذَا إِذَا ادَّعَى الْجَهَالَةَ بِإِسْكَارِ غَيْرِ الْخَمْرِ، أَوْ تحريمه أو بِوُجُودِ الْحَدِّ بِهِ، وَمَثَلُهُ يَجْهَلُهُ، صُدِّقَ وَلَمْ يُحَدَّ، وَكَذَا إِذَا شَرِبَهَا مُكْرَهًا لِحِلِّهِ لَهُ، وَعَنْهُ: لَا تَحِلُّ لَهُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَفِي حَدِّهِ رِوَايَتَانِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى حِلِّهِ لَهُ وَعَدَمِهِ، وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ فِعْلُهُ لِلْمُكْرَهِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يُرَخِّصُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ أَحْمَدَ (قَلِيلًا كَانَ) مَا شَرِبَهُ (أَوْ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ) لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ» . رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيًّا جَلَدُوا شَارِبَهَا، وَلِأَنَّ الْقَلِيلَ خَمْرٌ، فَيَدْخُلُ فِي الْعُمُومِ، وَلِأَنَّهُ شَرَابٌ فِيهِ شِدَّةٌ مَطْرِبَةٌ، فَوَجَبَ الْحَدُّ بِهِ كَالْكَثِيرِ، وَيُلْحَقُ بِذَلِكَ مَا لَوْ احْتَقَنَ بِهَا فِي الْمَنْصُوصِ، كَمَا لَوْ اسْتَعَطَ أَوْ عَجَنَ بِهِ دَقِيقًا فَأَكَلَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ تَمَضْمَضَ حُدَّ، وَذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ قَوْلًا، وَهُوَ غَرِيبٌ، وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ: إِنْ وَصَلَ جَوْفَهُ حُدَّ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَثْبُتُ بِعَدْلَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ شَرِبَ مُسْكِرًا، وَلَا يَسْتَفْسِرُهُمَا الْحَاكِمُ عَمَّا شَرِبَ، لِأَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ يُوجِبُ الْحَدَّ، فَدَلَّ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَرَهُ الْحَاكِمُ مُوجِبًا اسْتَفْسَرَهُمَا (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً) قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَالْفُرُوعِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ، فَضَرَبَهُ عُمَرُ ثَمَانِينَ، وَكَتَبَ بِهِ إِلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ، وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ فِي الْمَشُورَةِ: إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. رَوَاهُ الْجَوْزَجَانِيُّ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ. وَجَوَّزَهُمَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لِلْمَصْلَحَةِ، وَأَنَّهُ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute