للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ قُطِعَ، إِلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ، فَيَسْرِقُ قَدْرَ حَقِّهِ، فَلَا يُقْطَعُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ. وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ، ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا، قُطِعَ. وَمَنْ أَجَّرَ دَارَهُ، أَوْ أَعَارَهَا، ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ، أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ، قُطِعَ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

الْمُؤَلِّفُ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ أَبَاحَ لَهُ الْأَخْذَ، فَيَكُونُ الِاخْتِلَافُ فِي إِبَاحَةِ الْأَخْذِ شُبْهَةً دَارِئَةً لِلْحَدِّ، كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ، فَإِنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَهَلْ يُقْطَعُ؟ هُنَا فِيهِ وَجْهَانِ (وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ) قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْأَخْذُ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهَذَا لَا يَلْغِي الشبهة النَّاشِئَةَ عَنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ قَالَ فِي " الرِّعَايَةِ ": وَقِيلَ، إِنْ أَخَذَهُ وَلَا بَيِّنَةَ، أَوْ عَجَزَ عَنْهُ فَلَا. وَعَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يَأْخُذُ بِدُونِ إِذْنِهِ، أَوْ إِذْنِ حَاكِمٍ، نَصَّ عَلَيْهِ (وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ ثُمَّ عَادَ فَسَرَقَهَا) مِنْ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ أَوْ غَيْرِهِ (قُطِعَ) لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزَجِرْ، أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَهَا، بِخِلَافِ حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُعَادُ مَرَّةً أُخْرَى، لَأَنَّ الْغَرَضَ إِظْهَارُ كَذِبِهِ، وَقَدْ ظَهَرَ، وَهُنَا الْمَقْصُودُ: رَدْعُهُ، وَزَجْرُهُ عَنِ السَّرِقَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ، فَيُرْدَعُ بِالثَّانِي، كَمَا لَوْ سَرَقَ عَيْنًا أُخْرَى (وَمَنْ آجَّرَ دَارَهُ أَوْ أَعَارَهَا، ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ، أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ قُطِعَ) لِأَنَّهُ هَتَكَ حِرْزًا، وَسَرَقَ منه نِصَابًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ، فَقُطِعَ، كَمَا لَوْ سَرَقَ مَنْ مَلَكَهُمَا، وَاخْتَارَ ابْنُ حَمْدَانَ لَا قَطْعَ عَلَى الْمُعِيرِ، لِمَا تَقَدَّمَ، وَلِأَنَّ هَذَا قَدْ صَارَ حِرْزًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدُّخُولُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْعَارِيَةِ، وَفِي " التَّرْغِيبِ " احْتِمَالٌ: إِنْ قَصَدَ بِدُخُولِهِ الرُّجُوعَ، قَالَ فِي " الْفُنُونِ ": لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلِ لَا سَرِقَةَ.

تَنْبِيهٌ: إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ السَّرِقَةُ قَبْلَ الْقَطْعِ قُطِعَ مَرَّةً، قَدَّمَهُ فِي " الرِّعَايَةِ "، وَصَحَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، لِأَنَّ الْقَطْعَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَتَدَاخَلَ كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ، وَعَنْهُ: إِنْ سَرَقَ مِنْ جَمَاعَةٍ وَجَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ لَمْ تَتَدَاخَلْ، كَحَدِّ الْقَذْفِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>