ورَسُولَهُ، أَوِ السَّاحِرِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
مُكَلَّفٌ أَشْبَهَ الْمَجْنُونَ، وَجَوَابُهُ: الْمَنْعُ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُكَلَّفٍ فَإِنَّ الصَّلَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ فَقَطْ، حَكَاهَا ابْنُ الْبَنَّا.
تَنْبِيهٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ رِدَّةُ مَجْنُونٍ، وَلَا إِسْلَامُهُ، لِأَنَّهُ لَا قَوْلَ لَهُ، فَإِنِ ارْتَدَّ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ جُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ جُنُونِهِ، لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِالْإِصْرَارِ عَلَى الرِّدَّةِ، وَالْمَجْنُونُ لَا يُوصَفُ بِالْإِصْرَارِ، فَإِنْ قُتِلَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ عُزِّرَ الْقَاتِلُ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَتَلَ كَافِرًا لَا عَهْدَ لَهُ، أَشْبَهَ قَتْلَ نِسَاءِ أَهْلِ الْحَرْبِ.
(وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ؟) وَهُوَ: الْمُنَافِقُ الَّذِي يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَيُخْفِي الْكُفْرَ (وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ مَنْ سَبَّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، أَوِ السَّاحِرِ) أَيْ: مَنْ كَفَرَ بِسِحْرِهِ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ، إِحْدَاهُمَا: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ) الْأَشْهَرُ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ، جَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، وَقَدَّمَهَا فِي " الْفُرُوعِ "، وَذَكَرَ ابْنُ حَمْدَانَ: أَنَّهَا أَظْهَرُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِأَنَّ عَلِيًّا أُتِيَ بِزَنَادِقَةٍ فَسَأَلَهُمْ، فَجَحَدُوا، فَقَامَتْ عَلَيْهِمُ الْبَيِّنَةُ، فَقَتَلَهُمْ، وَلَمْ يَسْتَتِبْهُمْ. رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مَسَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ. وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ خَطَرًا، لِأَنَّهُ لَا سَبِيلَ إِلَى الثِّقَةِ بِهِ، وَلِأَنَّ إِبْقَاءَهُ يُؤَدِّي إِلَى السُّلْطَةِ فِي الْبَاطِنِ عَلَى إِفْسَادِ عَقَائِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ.
فَرْعٌ: مَنْ أَظْهَرَ الْخَيْرَ وَأَبْطَنَ الْفِسْقَ فَكَالزِّنْدِيقِ فِي تَوْبَتِهِ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَحَمَلَ رِوَايَةَ قَبُولِ تَوْبَةِ السَّاحِرِ عَلَى الْمُتَظَاهِرِ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ، وَكَذَا مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: ١٣٧] وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ ظَبْيَانَ بْنِ عُمَارَةَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّهُ قَدْ أُتِيَ بِكَ مَرَّةً، فَزَعَمْتَ أَنَّكَ تُبْتَ، وَأَرَاكَ قَدْ عُدْتَ، فَقَتَلَهُ، وَعَنْهُ: لَا تُقْبَلُ إِنْ تَكَرَّرَتْ ثَلَاثًا، أَمَّا مَنْ سَبَّ اللَّهَ، أَوْ رَسُولَهُ، فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، لِأَنَّ ذَنْبَهُ عَظِيمٌ جِدًّا، أَشْبَهَ الزِّنْدِيقَ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: أَوْ تَنْقُصُهُ، وَقِيلَ: وَلَوْ تَعْرِيضًا، نَقَلَ حَنْبَلٌ: مَنْ عَرَّضَ بِشَيْءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute