للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأُخْرَى تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ.

وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَفِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَصْحَابِنَا: لَا تُقْبَلُ إِنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ لَمْ يُعْلَمْ إِسْقَاطُهُ، وَإِنَّهَا تُقْبَلُ إِنْ سَبَّ اللَّهَ، لِأَنَّهُ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ فِي خَالِصِ حَقِّهِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " عُيُونِ الْمَسَائِلِ "، لِأَنَّ الْخَالِقَ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ، فَلَا تُلْحَقُ بِهِ، بِخِلَافِ الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّهُ مَحَلٌّ لَهَا، فَافْتَرَقَا، وَأَمَّا السَّاحِرُ فَنَقَلَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ اسْتَتَابَ سَاحِرًا، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الْمَرْأَةِ الَّتِي أَتَتْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ السِّحْرَ مَعْنًى فِي الْقَلْبِ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ، أَشْبَهَ الزِّنْدِيقَ (وَالْأُخْرَى تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ) وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، زِنْدِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَاخْتَارَهُ الْخَلَّالُ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَوْلَى عَلَى مَذْهَبِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، وَقَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " وَ " الرِّعَايَةِ "، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَرَجَّحَ هَذَا فِي " الشَّرْحِ "، وَأَجَابَ عَنْ قَتْلِ ابْنِ النَّوَّاحَةِ: بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَتَلَهُ لِظُهُورِ كَذِبِهِ فِي تَوْبَتِهِ، لِأَنَّهُ أَظْهَرَهَا، وَمَا زَالَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ فِي الزِّنْدِيقِ لَا يُسْتَتَابُ، قَالَ أَحْمَدُ: كُنْتُ أَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، ثُمَّ هِبْتُهُ، قَالَ الْقَاضِي: وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَجَعَ، فَلَوْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ وَلَدًا فَقَدْ سَبَّ اللَّهَ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، إِخْبَارًا عَنْ رَبِّهِ: «يَشْتِمُنِي ابْنُ آدَمَ، وَمَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتِمَنِي، أَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنَّ لِي وَلَدًا» وَلَا شَكَّ أَنَّ تَوْبَتَهُ مَقْبُولَةٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ، فَإِذَا قُبِلَتْ تَوْبَةُ مَنْ سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى، فَمَنْ سَبَّ نَبِيَّهُ أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ، وَالصَّحِيحُ الْأُولَى، لِأَنَّ أَدِلَّتَهَا خَاصَّةٌ، وَالثَّانِيَةَ عَامَّةٌ، وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ.

فَرْعٌ: الْخِلَافُ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِمْ إِنَّمَا هُوَ فِي الظَّاهِرِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا مِنْ تَرْكِ قِتَالِهِمْ وَثُبُوتِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِمْ، وَأَمَّا قَبُولُهَا فِي الْبَاطِنِ فَلَا خِلَافَ فِيهِ حَيْثُ صَدَقَ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْمُؤَلِّفُ، وَجَمَاعَةٌ، وَفِي إِرْشَادِ ابْنِ عَقِيلٍ رِوَايَةُ: " لَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>