لَمْ يَكْفِ جَمِيعَهَا سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكْفِهَا جَمِيعًا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَالْأَوْلَى سَتْرُ الدُّبُرِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَقِيلَ: الْقُبُلُ أَوْلَى، وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا، إِنْ كَانَتْ عَارِيَةً. فَإِنْ عَدِمَ بِكُلِّ حَالٍ صَلَّى جَالِسًا يُومِئُ إِيمَاءً، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَقَطْ، سَتَرَ ذَلِكَ، وَصَلَّى جَالِسًا، نُصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ، لِأَنَّ سَتْرَ الْمَنْكِبَيْنِ الْحَدِيثُ فِيهِ أَصَحُّ (فَإِنْ لَمْ يَكْفِ جَمِيعَهَا سَتَرَ الْفَرْجَيْنِ) لِأَنَّهُمَا أَفْحَشُ، وَهُمَا عَوْرَةٌ بِلَا خِلَافٍ، لِأَنَّ غَيْرَهُمَا كَالْحَرِيمِ، وَالتَّابِعِ لَهُمَا، وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهُمَا بِالسَّوْأَتَيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا} [طه: ١٢١] سُمِّيَا بِذَلِكَ، لِأَنَّ كَشْفَهُمَا يَسُوءُ صَاحِبَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا جَمِيعًا سَتَرَ أَيَّهُمَا شَاءَ) لِاسْتِوَائِهِمَا (وَالْأَوْلَى سَتْرُ الدُّبُرِ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " لِأَنَّهُ أَفْحَشُ، وَيَنْفَرِجُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَقِيلَ: الْقُبُلُ أَوْلَى) لِأَنَّ بِهِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَالدُّبُرُ يَسْتَتِرُ بِالْأَلْيَتَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: يُعْتَبَرُ أَكْثَرُهُمَا سَتْرًا، وَفِي الْمَذْهَبِ: هَلِ الْقُبُلُ أَوْلَى أَمِ الدُّبُرُ؛ فِيهِ رِوَايَتَانِ، وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ أَنَّهُ يسْترُ عورته ويصلي قَائِمًا، عَلَى الثَّانِي: فَلَا، وَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً أَوْ خُنْثَى، وَيُتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُسْتَرُ آلَةُ الرَّجُلِ إِنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ، وَآلَتُهَا إِنْ كَانَ هُنَاكَ رَجُلٌ.
(وَإِنْ بُذِلَتْ لَهُ سُتْرَةٌ لَزِمَهُ قَبُولُهَا إِنْ كَانَتْ عَارِيَةً) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، لِأَنَّ الْمِنَّةَ لَا تَكْثُرُ فِيهَا، أَشْبَهَ بِذْلَ الْحَبْلِ وَالدَّلْوِ لِاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ كَالْهِبَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي: يَلْزَمُهُ قَبُولُهَا هِبَةً، وَذَكَرَهُ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا، لِأَنَّ الْعَارَ فِي كَشْفِ عَوْرَتِهِ أَكْثَرُ مِنَ الضَّرَرِ فِيمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْمِنَّةِ، وَفُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهَا عَارِيَةً، وَيَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهَا بِقِيمَةِ الْمِثْلِ، وَالزِّيَادَةِ كَمَاءِ الْوُضُوءِ.
(فَإِنْ عَدَمَ بِكُلِّ حَالٍ صَلَّى) وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (جَالِسًا) نَدْبًا، وَلَا يَتَرَبَّعُ بَلْ يَنْضَمُّ، نَقَلَهُ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ، وَقَدَّمَ فِي " الرِّعَايَةِ " أَنَّهُ يَتَرَبَّعُ، نُصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ حَبِيبٍ، وَقِيلَ: وُجُوبًا (يُومِئُ إِيمَاءً) أَيْ: بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ " وَغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ، وَأَبُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute