إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ. وَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا، وَنَوَى وَقْتًا بِعَيْنِهِ، تَقَيَّدَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَغَيْرِهِمْ، وَلِأَنَّهُ مَتَى قَالَ: لَأَفْعَلَنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ مَتَى شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ، وَمَتَى لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَشَأِ اللَّهُ، (فَعَلَ أَوْ تَرَكَ إِذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بِكَلَامٍ أَجْنَبِيٍّ، وَلَا سُكُوتٍ يُمْكِنُ الْكَلَامُ فِيهِ، لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ، فَاعْتُبِرَ اتِّصَالُهُ كَالشَّرْطِ وَجَوَابِهِ: وَخَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَالِاسْتِثْنَاءِ بِـ إِلَّا، فَعَلَى هَذَا: لَوْ سَكَتَ لِانْقِطَاعِ نَفَسِهِ، أَوْ عَطَسَ وَنَحْوِهِ، لَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ، وَعَنْهُ: مَعَ فَصْلٍ يَسِيرٍ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ، جَزَمَ بِهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: «وَاللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا، ثُمَّ سَكَتَ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، ثُمَّ لَمْ يَغْزُهُمْ، إِنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ بِالْقُرْبِ، وَلَمْ يَخْلِطْ كَلَامَهُ بِغَيْرِهِ، وَنَقَلَ عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ مِثْلَهُ، وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْخِرَقِيِّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالِاسْتِثْنَاءِ كَلَامٌ، وَعَنْهُ، وَفِي الْمَجْلِسِ، وَحَكَاهُ فِي الْإِرْشَادِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا، قَدَّمَ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى الْجَزَاءِ أَوْ أَخَّرَهُ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِذَا اسْتَثْنَى بَعْدَ سَنَةٍ فَلَهُ ثُنْيَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَهَذَا لَا يَصِحُّ، قَالَ أَحْمَدُ: حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ الْخَبَرَ، وَلَمْ يَقُلْ فَاسْتَثْنِ، وَلَوْ جَازَ لَأَمَرَ بِهِ وَحَمَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ عَلَى قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ} [الكهف: ٢٣] الْآيَةَ، فَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْكَذِبِ، لِأَنَّ الْكَذِبَ لَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ، وَهُوَ أَشَدُّ مِنَ الْيَمِينِ، لِأَنَّ الْيَمِينَ تُكَفَّرُ، وَالْكَذِبُ لَا يُكَفَّرُ، قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: فَائِدَتُهُ الْخُرُوجُ مِنَ الْكَذِبِ، وَفِي الْمُبْهِجِ: يَصِحُّ، وَلَوْ تَكَلَّمَ، وَيُشْتَرَطُ نُطْقُهُ، إِلَّا مِنْ مَظْلُومٍ خَائِفٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: خَائِفٍ، لِأَنَّ يَمِينَهُ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ، أَوْ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَأَوِّلِ، وَفِي اعْتِبَارِ قَصْدِ الِاسْتِثْنَاءِ، وَجْهَانِ: فَائِدَتُهُمَا فِيمَنْ سَبَقَ عَلَى لِسَانِهِ عَادَةً، أَوْ أَتَى بِهِ تَبَرُّكًا، وَلَمْ يَعْتَبِرْهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِنْ شَكَّ فِي الِاسْتِثْنَاءِ، فَالْأَصْلُ عَدَمُهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِلَّا مِمَّنْ عَادَتُهُ الِاسْتِثْنَاءُ، وَاحْتَجَّ بِالْمُسْتَحَاضَةِ تَعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ، وَلَمْ تَجْلِسْ أَقَلَّ الْحَيْضِ، وَالْأَصْلُ وُجُوبُ الْعِبَادَةِ. (وَإِذَا حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا، وَنَوَى وَقْتًا بِعَيْنِهِ، تَقَيَّدَ بِهِ) لِأَنَّ النِّيَّةَ تَصْرِفُ ظَاهِرَ اللَّفْظِ إِلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ، فَلَأَنْ تَصْرِفَهُ إِلَى وَقْتٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute