للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَنْوِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ، إِمَّا بِتَلَفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ مَوْتِ الْحَالِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا اسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ،

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

آخَرَ بِطْرِيقِ الْأَوْلَى (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَيْأَسَ مِنْ فِعْلِهِ، إِمَّا بِتَلَفِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ مَوْتِ الْحَالِفِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ) «لِقَوْلِ عُمَرَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَمْ تُخْبِرْنَا أَنَا سَنَأْتِي الْبَيْتَ، وَنَطُوفُ بِهِ؛ قَالَ: بَلَى، أَفَأَخْبَرْتُكَ أَنَّكَ تَأْتِيهِ الْعَامَ؛ قَالَ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ آتِيهِ وَمُطَوِّفٌ بِهِ» وَلِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَى فِعْلِهِ لَمْ يَتَوَقَّفْ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، وَفِعْلُهُ مُمْكِنٌ، فَلَمْ تَحْصُلْ مُخَالَفَةُ مَا حُلِفَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يُوجِبُ عَدَمَ الْحِنْثِ، لِأَنَّ شَرْطَهُ الْمُخَالَفَةُ، (وَإِذَا حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا اسْتُحِبَّ لَهُ الْحِنْثُ وَالتَّكْفِيرُ) كَذَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ لِأَخْبَارٍ، مِنْهَا خَبَرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي مُوسَى، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، وَعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحْنَثْ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. وَقَدَّمَ فِي التَّرْغِيبِ: أَنَّ بِرَّهُ وَإِقَامَتَهُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْلَى، وَسَبَقَ تَقْسِيمُهُ إِلَى الْخَمْسَةِ، (وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْحَلِفِ) كَذَا فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْفُرُوعِ، وَظَاهِرُهُ الْكَرَاهَةُ، وَصَرَّحَ بِهَا فِي الرِّعَايَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ} [القلم: ١٠] هَذَا ذَمٌّ لَهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ فِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى حَدِّ الْإِكْثَارِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ، إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَقْتَضِي كَرَاهَتَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: لَا يُكْثِرُ الْحَلِفَ، لِأَنَّهُ مَكْرُوهٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] ، وَبَعْضُهُمْ كَرِهَهُ مُطْلَقًا، وَجَوَابُهُ: بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَلَفَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ، وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَمَعْنَاهَا: لَا تَجْعَلُوا أَيْمَانَكُمْ بِاللَّهِ مَانِعَةً لَكُمْ مِنَ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، قَالَ أَحْمَدُ: وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادِهِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: ٢٢٤] الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَلَّا يَصِلَ قَرَابَتَهُ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا فِي التَّكْفِيرِ، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَيُبِرَّ، وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَادَ إِلَى الْيَمِينِ، فَالنَّهْيُ عَنْهُ: الْحَلِفُ عَلَى قَوْلِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ، لَا

<<  <  ج: ص:  >  >>