للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ حَنِثَ، وَإِنْ أَوْصَى لَهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ حَنِثَ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

اسْمًا وَحُكْمًا، وَجْهُ الْأَوَّلِ: أَنَّهُ تَبَرَّعَ بِعَيْنٍ فِي الْحَيَاةِ فَيَحْنَثُ بِهِ كَالْهَدِيَّةِ، وَلِأَنَّ الصَّدَقَةَ تُسَمَّى هِبَةً، وَاخْتِلَافُ التَّسْمِيَةِ لِكَوْنِ الصَّدَقَةِ نَوْعًا مِنَ الْهِبَةِ، فَتَخْتَصُّ بِاسْمٍ دُونَهَا، كَاخْتِصَاصِ الْهَدِيَّةِ وَالْعُمْرَى بِاسْمَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُمَا ذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِمَا هِبَةً (وَإِنْ أَعَارَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْعَارِيَةَ إِبَاحَةٌ، وَالْهِبَةَ تَمْلِيكٌ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، قَالَهُ الْقَاضِي، لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا يَمْلِكُ الْمَنْفَعَةَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهَا، وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْمُعِيرُ الرُّجُوعَ فِيهَا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ إِجَارَتَهَا (إِلَّا عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ) فَإِنَّهُ يَحْنَثُ، لِأَنَّ الْعَارِيَةَ هِبَةُ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مَقَامَ هِبَةِ الْعَيْنِ، بِدَلِيلِ صِحَّةِ مُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ بِالْعِوَضِ كَالْعَيْنِ (وَإِنْ وَقَفَ عَلَيْهِ حَنِثَ) لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَهُ بِعَيْنٍ فِي الْحَيَاةِ، فَهُوَ فِي الْعُرْفِ هِبَةٌ، وَقِيلَ: لَا يَحْنَثُ، كَوَصِيَّةٍ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُمْلَكُ عَلَى رِوَايَةٍ، وَبَنَاهُ فِي الْمُغْنِي عَلَى الْمِلْكِ، فَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ حَنِثَ بِمُسَاوَاتِهِ الْهِبَةَ، وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ مِلْكِهِ فَلَا، قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: لَا يَحْنَثُ، وَإِنْ قُلْنَا: يَمْلِكُهُ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَمْنُوعٌ مِنْ هِبَةِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ بِالسَّوِيَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الْهِبَةِ الْمَنْعُ مِنَ الْوَقْفِ (وَإِنْ أَوْصَى لَهُ لَمْ يَحْنَثْ) لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ، بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ (وَإِنْ بَاعَهُ وَحَابَاهُ حَنِثَ) قَالَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّهُ تَرَكَ لَهُ بَعْضَ الْمَبِيعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، أَوْ وَهَبَهُ بَعْضَ الثَّمَنِ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ) هَذَا وَجْهٌ، وَهُوَ أَوْلَى، لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يَمْلِكُ الشَّفِيعُ أَخَذَ جَمِيعِ الْمَبِيعِ، وَلَوْ كَانَ هِبَةً أَوْ بَعْضَهُ لَمْ يَمْلِكْ أَخْذَ كُلِّهِ، وَأَطْلَقَ فِي الْفُرُوعِ الْخِلَافَ، وَيَحْنَثُ بِالْهَدِيَّةِ خِلَافًا لِأَبِي الْخَطَّابِ، وَإِنْ أَضَافَهُ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ شَيْئًا، وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ الْأَكْلَ، وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ أَسْقَطَ عَنْهُ دَيْنًا لَمْ يَحْنَثْ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ، لِأَنَّ الْهِبَةَ تَمْلِيكُ عَيْنٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>