للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَدَخَلَهُ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ إِلَى حِينِ الْحَصَادِ، انْتَهَتْ يَمِينُهُ بِأَوَّلِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ حَنِثَ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ، حَنِثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

أَوَّلِهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] ، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَتَنَاوَلَ جَمِيعَ مُدَّتِهِ) هذه رِوَايَةٌ، لِأَنَّ إِلَى تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى مَعَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: ١٤] ، وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَصَدَ هِجْرَانَهُ، وَاللَّفْظُ صَالِحٌ لِتَنَاوُلِ الْجَمِيعِ.

(وَإِنْ حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ، وَلَهُ مَالٌ غَيْرُ زَكَوِيٍّ، أَوْ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ، حَنِثَ) لِأَنَّهُ مَالٌ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْنَثَ لِلْمُخَالَفَةِ فِي يَمِينِهِ، وَالدَّيْنُ مَالٌ يَنْعَقِدُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، وَيَصِحُّ تَصَرُّفُهُ فِيهِ بِالْإِبْرَاءِ وَالْحَوَالَةِ، أَشْبَهَ الْمُودَعَ، وَلِأَنَّ الْمَالَ مَا تَنَاوَلَهُ النَّاسُ عَادَةً لِطَلَبِ الرِّبْحِ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَيْلِ مِنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ، وَجَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ، قَالَهُ فِي الْوَاضِحِ، وَالْمِلْكُ يَخْتَصُّ الْأَعْيَانَ مِنَ الْأَمْوَالِ، وَلَا يَعُمُّ الدَّيْنَ، وَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِنَّمَا يَتَنَاوَلُ نَذْرُهُ الصَّامِتَ مِنْ مَالِهِ، لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْمَالِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ مَغْصُوبٌ حَنِثَ، وَكَذَا إِنْ كَانَ ضَائِعًا فِي وَجْهٍ، فَإِنْ ضَاعَ عَلَى وَجْهٍ قَدْ أَيِسَ مِنْ عَوْدِهِ، لَمْ يَحْنَثْ فِي الْأَشْهَرِ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَحْنَثَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَ أَوِ اشْتَرَى عَقَارًا وَنَحْوَهُ لَا يَحْنَثُ (وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ حَنِثَ إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ فِعْلَ وَكِيلِهِ كَفِعْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ الْفِعْلَ يُطْلَقُ عَلَى الْمُوَكَّلِ فِيهِ وَالْآمِرِ بِهِ، فَحَنِثَ، كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ، فَأَمَرَ مَنْ حَلَقَهُ، وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: أَنَّهُ يَحْنَثُ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ عَادَتُهُ جَارِيَةً بِمُبَاشَرَةِ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِنَفْسِهِ، فَلَا. وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، فَإِذَا وَكَّلَ فِيهِ وَأَضَافَ إِلَى الْمُوَكَّلِ فَلَا حِنْثَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَوَجْهَانِ، وَإِنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، فَكَلَّمَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ وَكِيلُهُ، أَوْ لَا يَضْرِبُ عَبْدَهُ، فَضَرَبَهُ بِأَمْرِهِ حَنِثَ.

قَاعِدَةٌ: تُطَلَّقُ امْرَأَةُ مَنْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زِنْدِيقًا بِقَائِلٍ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، قَالَهُ سَجَّادَةُ، قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَبْعَدَهُ، وَالسَّفَلَةُ مَنْ لَمْ يُبَالِ بِمَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ، وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِغَيْرِ مِئْزَرٍ، وَلَا يُبَالِي عَلَى أَيِّ مَعْصِيَةٍ رُئِيَ.

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: الرِّعَاعُ السَّفَلَةُ وَالْغَوْغَاءُ نَحْوُ ذَلِكَ، وَأَصْلُ الْغَوْغَاءِ: صِغَارُ الْجَرَادِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>