للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَطَالَبَ الْمُدَّعِي بِتَزْكِيَتِهِ. وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ مَرْضِيٌّ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: ليَّ وعلي.

وَإِنْ عَدَّلَهُ اثْنَانِ، وَجَرَحَهُ اثْنَانِ، فَالْجَرْحُ أَوْلَى. وَإِنْ سَأَلَ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

بِتَزْكِيَتِهِ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِلشَّاهِدَيْنِ: جِيئَا بِمَنْ يَعْرِفُكُمَا. وَلِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ، فَالشَّكُّ فِي وُجُودِهَا كَعَدَمِهَا، كَشُرُوطِ الصَّلَاةِ. (وَيَكْفِي فِي التَّزْكِيَةِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُ عَدْلٌ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، لِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: ٢] ، فَإِذَا شَهِدَا أَنَّهُ عَدْلٌ ثَبَتَ ذَلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْآيَةِ. وَفِي التَّرْغِيبِ: إِذَا قُلْنَا: لَيْسَتْ شَهَادَةً. وَلَا يُعْتَبَرُ لَفْظُ الشَّهَادَةِ وَالْعَدَدُ فِي الْجَمِيعِ، وَهِيَ حَقُّ الشَّرْعِ، يَطْلُبُهَا الْحَاكِمُ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهَا الْخَصْمُ. وَقِيلَ: بَلْ حَقُّهُ. (وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَقُولَ: لِي وَعَلِيَّ) لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ عَدْلًا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ; لِئَلَّا يَكُونَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ أَوْ قُرَابَةٌ، وَلِئَلَّا يَكُونَ عَدْلًا فِي شَيْءٍ دُونَ آخَرَ. وَفِي الشَّرْحِ: لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ، فَإِنَّ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لَمْ تَزُلْ بِقَرَابَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ، وَإِنَّمَا تُرَدُّ لِلتُّهْمَةِ مَعَ كَوْنِهِ عَدْلًا، ثُمَّ إِنَّ هَذَا إِذَا كَانَ مَعْلُومًا انْتِفَاؤُهُ بَيْنَهُمَا لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ، وَلَا نَفْيِهِ عَنْ نَفْسِهِ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِالْحَقِّ مَنْ عَرَفَ الْحَاكِمُ عَدَالَتَهُ، وَلِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يُمْنَعُ مِنْ شَهَادَتِهِ لَهُ بِالتَّزْكِيَةِ، وَإِنَّمَا تُمْنَعُ الشَّهَادَةُ عَلَيْهِ. وَلَا يَكْفِي فِيهَا أَنْ يَقُولَ: مَا أَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا.

تَنْبِيهٌ: يُشْتَرَطُ فِي قَبُولِ الْمُزَكِّينَ مَعْرِفَةُ الْحَاكِمِ خِبْرَتَهُمَا الْبَاطِنَةَ بِصُحْبَةٍ وَمُعَامَلَةٍ وَنَحْوِهِمَا. وَفِي التَّرْغِيبِ: وَمَعْرِفَةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ. لِقَوْلِ عُمَرَ ; لِأَنَّ عَادَةَ النَّاسِ إِظْهَارُ الطَّاعَاتِ وَإِسْرَارُ الْمَعَاصِي. وَفِي الرِّعَايَةِ، وَغَيْرِهَا: وَلَا يَتَّهِمُ بِمَعْصِيَةٍ. وَتَعْدِيلُ الْخَصْمِ وَحْدَهُ تَعْدِيلٌ فِي حَقِّ الشَّاهِدِ، وَكَذَا تَصْدِيقُهُ لَهُ. وَلَا تَصِحُّ التَّزْكِيَةُ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ، فِي الْأَشْهَرِ فِيهِنَّ. قَالَ أَحْمَدُ: لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُعَدِّلَ ; لِأَنَّ النَّاسَ يَتَغَيَّرُونَ. وَقَالَ: قِيلَ لِشُرَيْحٍ: قَدْ أَحْدَثْتَ فِي قَضَائِكَ. قَالَ: إِنَّهُمْ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْنَا. وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ: لَا يَلْزَمُ الْمُزَكِّيَ الْحُضُورُ لِلتَّزْكِيَةِ، وَفِيهِ وَجْهٌ. وَإِنْ جَهِلَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ مَنَعَهُ.

قَالَ فِي الشَّرْحِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرُوهُ: أَنَّ الْحَاكِمَ إِذَا عَلِمَ أَنَّ الْمُعَدِّلَ لَا خِبْرَةَ لَهُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ بِالتَّعْدِيلِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا: لَا يَجُوزُ لِلْمُعَدِّلِ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَالَةِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ خِبْرَةً بَاطِنَةً. فَأَمَّا الْحَاكِمُ إِذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الْعَدْلُ بِالتَّعْدِيلِ وَلَمْ يَعْرِفْ حَقِيقَةَ الْحَالِ، فَلَهُ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ مِنْ غَيْرِ كَشْفٍ. وَإِنِ اسْتَكْشَفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>