للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ عَمِيَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ، وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَالْحَاكِمِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَالْفُرُوعِ الْوَجْهَانِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ. وَهُمَا أَيْضًا فِيمَا إِذَا عَرَفَهُ بِصَوْتِهِ (وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عَمِيَ) أَوْ خَرِسَ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ (قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ، وَالْمُرَادُ بِهِ الْحُكْمُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ فَلَا يُورِثُ تُهْمَةً فِي حَالِ الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَمْنَعِ الْحُكْمَ بِهَا كَمَا لَوْ شَهِدَ ثُمَّ مَاتَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُقْبَلُ كَمَا لَوْ طَرَأَ الْفِسْقُ.

وَفَرَّقَ فِي الشَّرْحِ: بِأَنَّ الْفِسْقَ يُورِثُ تُهْمَةً فِي حَالِ الشَّهَادَةِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، لَكِنْ لَوْ حَدَثَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ مَا لَا يَجُوزُ مَعَهُ شَهَادَةٌ، لَمْ يَحْكُمْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَسْتَبْطِنُ الْفِسْقَ وَيُظْهِرُ الْعَدَاوَةَ، فَلَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فَاسِقًا حِينَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، فَلَمْ يَجُزِ الْحُكْمُ بِهَا مَعَ الشَّكِّ، إِلَّا عَدَاوَةً ابْتَدَاهَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، بِأَنْ قَذَفَ الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ، لِأَنَّهَا لَوْ أَبْطَلْنَاهَا بِهَذَا لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ بِإِبْطَالِ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بِقَذْفِهِ، وَكَذَا الْمُنَازَعَةُ وَالْمُقَاوَلَةُ وَقْتَ غَضَبِهِ وَمُحَاكَمَتِهِ بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ.

قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ أَوِ الْفِسْقِ.

فَإِنْ حَدَّثَ بَعْضَ مَا يَمْنَعُ الْحُكْمَ بِهَا بَعْدَ الْحُكْمِ وَقَبْلَ الِاسْتِيفَاءِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حَدًّا لِلَّهِ لَمْ يَسْتَوْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا شُبْهَةٌ وَهُوَ يَدْرَأُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مَالًا اسْتُوفِيَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ تَمَّ، وَإِنْ كَانَ قَوْدًا أَوْ حَدَّ قَذْفٍ فَوَجْهَانِ (وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ) فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ؛ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ، وَأَنَّهُ عَدْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الزِّنَى، فَتُقْبَلُ فِيهِ كَغَيْرِهِ، وَلَدُ الزِّنَى لَمْ يَفْعَلْ فِعْلًا قَبِيحًا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَظِيرٌ، لِأَنَّ الزَّانِيَ لَوْ تَابَ لَقُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ الْفِعْلَ الْقَبِيحَ فَإِذَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَعَ مَا ذُكِرَ، فَغَيْرُهُ أَوْلَى.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: وَدَّتِ الزَّانِيَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُلَّهُنَّ يَزْنِينَ، لَا أَعْلَمُهُ ثَابِتًا عَنْهُ، وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُثْبِتَ عُثْمَانُ كَلَامًا بِالظَّنِّ عَنْ ضَمِيرِ امْرَأَةٍ لَمْ يَسْمَعْهَا تَذْكُرُهُ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ، كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى الرَّضَاعِ، وَالْقَاسِمِ عَلَى الْقِسْمَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>