صَلَاةً دَائِمَةً بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ، أَمَّا بَعْدُ، فَهَذَا كِتَابٌ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ اجْتَهَدْتُ فِي جَمْعِهِ وَتَرْتِيبِهِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ إِضَافَةِ " آلِ " إِلَى الْمُضْمَرِ كَمَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُؤَلِّفُ، وَقَالَ الْكِسَائِيُّ، وَالنَّحَّاسُ، وَالزُّبَيْدِيُّ: لَا يُضَافُ إِلَّا إِلَى الْمُظْهَرِ لِتَوَغُّلِهِ فِي الْإِبْهَامِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ. (خَيْرِ آلٍ) أَصْلُ خَيْرٍ: أَخْيَرُ، فَحَذَفُوا الْهَمْزَةَ، وَبَعْدَهَا سَاكِنٌ لَا يُمْكِنُ النُّطْقُ بِهِ، فَنَقَلُوا حَرَكَةَ مَا قَبْلَ الْآخِرِ إِلَيْهِ، فَبَقِيَ " خَيْرٌ " كُلُّ ذَلِكَ تَخْفِيفًا. (صَلَاةً دَائِمَةً) أَيْ مُسْتَمِرَّةً مُتَّصِلَةً، لَا تَنْقَطِعُ. اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَيْهِ كَمُسْلِمٍ فِي " صَحِيحِهِ " وَهُوَ مَكْرُوهٌ، نَقَلَهُ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " فَقَالَ: يُكْرَهُ إِفْرَادُ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَسْلِيمٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِهِمَا جَمِيعًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: ٥٦] مَعَ تَأْكِيدِ التَّسْلِيمِ بِالْمَصْدَرِ، فَدَلَّ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ. (بِالْغُدُوِّ) جَمْعُ غُدْوَةٍ، وَهُوَ نَفْسُ الْفِعْلِ، تَقُولُ: غَدَا يَغْدُو غُدُوًّا، عَبَّرَ بِالْفِعْلِ عَنِ الْوَقْتِ، وَالْمُرَادُ بِالْغَدَوَاتِ، كَمَا تَقُولُ: آتِيكَ طُلُوعَ الشَّمْسِ، أَيْ: وَقْتَ طُلُوعِهَا. (وَالْآصَالِ) جَمْعُ أُصُلٍ، وَهُوَ جَمْعُ أَصِيلٍ، وَقِيلَ: الْآصَالُ: جَمْعُ أَصِيلٍ، وَالْآصَالُ: الْعَشِيَّاتُ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ، هِيَ مَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
(أَمَّا بَعْدُ) أَيْ: بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ يَأْتِي بِهَا الْمُتَكَلِّمُ إِذَا كَانَ فِي كَلَامٍ، وَأَرَادَ الِانْتِقَالَ إِلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُؤْتَى بِهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتِي بِهَا فِي خُطَبِهِ وَكُتُبِهِ، رَوَاهُ عَنْهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ صَحَابِيًّا. فَأَمَّا " أَمَّا ". فَهِيَ كَلِمَةٌ فِيهَا مَعْنَى الشَّرْطِ، قَالَ سِيبَوَيْهِ: قَوْلُ النَّحْوِيِّينَ: أَمَّا زَيْدٌ فَمُنْطَلِقٌ، مَعْنَاهُ: مَهْمَا يَكُنْ مِنْ شَيْءٍ فَزَيْدٌ مُنْطَلِقٌ، قَالَ بَعْضُهُمْ: وَأَصْلُهَا " مَامَا "، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ، ثُمَّ أُدْغِمَ بِشَرْطِهِ، وَالِابْتِدَاءُ بِالسَّاكِنِ مُتَعَذِّرٌ، فَأُلْحِقَتِ الْهَمْزَةُ مَفْتُوحَةً، لِئَلَّا يَلْتَبِسَ. " بَعْدُ " ظَرْفُ زَمَانٍ، وَالْأَعْرَفُ فِيهَا هُنَا الْبِنَاءُ عَلَى الضَّمِّ، لِكَوْنِهَا قُطِعَتْ عَنِ الْإِضَافَةِ، وَفِيهَا وُجُوهٌ أُخَرُ، وَهِيَ فَصْلُ الْخِطَابِ الَّذِي أُوتِيَهُ دَاوُدُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص: ٢٠] وَزَعَمَ الْكَلْبِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَهُ قُسُّ بْنُ سَاعِدَةَ، وَقِيلَ: كَعْبُ بْنُ لُؤَيٍّ، وَقِيلَ: يَعْرُبُ بْنُ قَحْطَانَ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ. (فَهَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى الْكِتَابِ الْمُؤَلَّفِ الْمُسَمَّى بِـ: " الْمُقْنِعِ " فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جَازَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ قَبْلَ تَأْلِيفِهِ، فَالْجَوَابُ عَنْهُ: أَنَّ الْإِشَارَةَ كَانَتْ إِلَى كِتَابٍ مُصَوَّرٍ فِي الذِّهْنِ، لِأَنَّ مَنْ عَزَمَ عَلَى تَأْلِيفِ كِتَابٍ صَوَّرَهُ فِي ذِهْنِهِ، أَوْ إِنْ عَمِلَ خُطْبَةً كَانَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ تَأْلِيفِ الْكِتَابِ. (كِتَابٌ) هُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ السَّيَّالَةِ، أَيْ: يُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، يُقَالُ: كَتَبَ كِتَابًا وَكِتَابَةً، وَسُمِّيَ الْمَكْتُوبُ بِهِ مَجَازًا، وَمَعْنَاهُ جَمَعَ جُمْلَةً مِنَ الْعِلْمِ. (فِي الْفِقْهِ) هُوَ فِي اللُّغَةِ الْفَهْمُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ: الْعِلْمُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الْفَرْعِيَّةِ مِنْ أَدِلَّتِهَا التَّفْصِيلِيَّةِ بِالِاسْتِدْلَالِ. (عَلَى مَذْهَبِ) هُوَ الطَّرِيقُ، يُقَالُ: ذَهَبَ مَذْهَبًا حَقًّا وَذَهَابًا وَذُهُوبًا، وَجَمْعُهُ مَذَاهِبُ. (الْإِمَامِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ الشَّيْبَانِيِّ) وَالصِّدِّيقُ الثَّانِي إِمَامُ الْأَئِمَّةِ، وَنَاصِرُ السُّنَّةِ، وُلِدَ بِبَغْدَادَ بَعْدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute