للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِيجَازِهِ، وَتَقْرِيبِهِ وَسَطًا بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ، وَجَامِعًا لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ عُرْيَةً عَنِ الدَّلِيلِ، وَالتَّعْلِيلِ، لِيَكْثُرَ عِلْمُهُ وَيَقِلَّ حَجْمُهُ، وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ وَفَهْمُهُ، وَيَكُونَ مُقْنِعًا لِحَافِظِيهِ نَافِعًا لِلنَّاظِرِ فِيهِ، وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُبَلِّغَنَا أَمَلَنَا، وَيُصْلِحَ قَوْلَنَا وَعَمَلَنَا، وَيَجْعَلَ سَعْيَنَا مُقَرِّبًا إِلَيْهِ وَنَافِعًا لَدَيْهِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

حَمْلِ أُمِّهِ بِهِ بِمَرْوَ، فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ، وَتُوُفِّيَ بِبَغْدَادَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثَانِيَ عَشَرَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَلَهُ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً. رَوَى ابْنُ ثَابِتٍ الْخَطِيبِ بِإِسْنَادِهِ: قَالَ الْوَرْكَانِيُّ جَارُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: أَسْلَمَ يَوْمَ مَاتَ أَحْمَدُ عِشْرُونَ أَلْفًا مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسِ،. وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ. (اجْتَهَدْتُ) الِاجْتِهَادُ: هُوَ بَذْلُ الْوُسْعِ فِيمَا فِيهِ كَلَفَةٌ وَمَشَقَّةٌ. (فِي جَمْعِهِ) مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَأَصْحَابِهِ. (وَتَرْتِيبِهِ) أَيْ: تَرْتِيبِ أَبْوَابِهِ وَمَسَائِلِهِ. (وَإِيجَازِهِ) أَيْ: تَقْصِيرِهِ، يُقَالُ: أَوْجَزَ فِي الْكَلَامِ، فَهُوَ كَلَامٌ مُوجَزٌ وَمُوجِزٌ وَوَجْزٌ وَوَجِيزٌ، قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ. (وَتَقْرِيبِهِ) إِلَى الْأَفْهَامِ بِعِبَارَةٍ سَهْلَةٍ مِنْ غَيْرِ تَعْقِيدٍ، وَلَقَدْ بَالَغَ فِي ذَلِكَ، وَحَرَصَ عَلَيْهِ طَاقَتَهُ، فَجَزَاهُ اللَّهُ خَيْرًا، وَأَثَابَهُ الْجَنَّةَ. (وَسَطًا بَيْنَ الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ) أَيْ: مُتَوَسِّطًا بَيْنَهُمَا، لَيْسَ هُوَ بِالْقَصِيرِ الْمُخِلِّ، وَلَا بِالطَّوِيلِ الْمُمِلِّ، وَخِيَارُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، إِذِ الْوَسَطُ الْعَدْلُ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ، بِـ" جَمْعِهِ " عَلَى الْحَالِ، أَيِ: اجْتَهَدْتُ فِي جَمْعِهِ وَسَطًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاصِبُهُ فِعْلًا مُقَدَّرًا، أَيْ: جَعَلْتُهُ وَسَطًا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هُوَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طَرَفَيِ الشَّيْءِ، فَأَمَّا اللَّفْظُ بِهِ، فَقَالَ الْمُبَرِّدُ: مَا كَانَ اسْمًا، فَهُوَ مُحَرَّكُ السِّينِ، كَقَوْلِكَ: وَسَطُ رَأْسِهِ صُلْبٌ، وَمَا كَانَ ظَرْفًا، فَهُوَ مُسَكَّنٌ، كَقَوْلِكَ: وَسْطَ رَأْسِهِ دَهَنَ، أَيْ: فِي وَسَطِهِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: مَا صَلَحَ فِيهِ " بَيْنَ "، فَهُوَ بِالسُّكُونِ، وَمَا لَمْ يَصْلُحْ فِيهِ " بَيْنَ " فَهُوَ بِالتَّحْرِيكِ، وَرُبَّمَا سُكِّنَ، وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: قَالَ يُونُسُ: سَمِعْتُ وَسَطَ وَوَسْطَ بِمَعْنًى. (وَجَامِعًا) مَعْطُوفٌ عَلَى (وَسَطًا) ، (لِأَكْثَرِ الْأَحْكَامِ) جَمْعُ حُكْمٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ، أَوِ التَّخْيِيرِ، أَوِ الْوَضْعِ) ، (عُرْيَةً عَنِ الدَّلِيلِ) أَيْ: مُجَرَّدًا عَنْ ذِكْرِ الدَّلِيلِ غَالِبًا وَهُوَ لُغَةً: عِبَارَةٌ عَنِ الْمُرْشِدِ، وَاصْطِلَاحًا: مَا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ. وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ. (وَالتَّعْلِيلِ) أَيْ: مُجَرَّدًا عَنِ الْعِلَّةِ أَيْضًا، وَهِيَ حِكْمَةُ الْحُكْمِ، أَيْ: مَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِأَجْلِهِ فِي مَحَلِّهِ، وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الدَّلِيلِ، إِذْ كُلُّ تَعْلِيلٍ دَلِيلٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نَصًّا أَوْ إِجْمَاعًا. (لِيَكْثُرَ عِلْمُهُ) أَىْ جَرَّدَهُ عَنِ الدَّلِيلِ وَالتَّعْلِيلِ غَالِبًا مَعَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ: اجْتَهَدْتُ إِلَى آخِرِهِ، لِأَجْلِ تَكْثِيرِ أَحْكَامِهِ. (وَيَقِلَّ حَجْمُهُ) فِي النَّظَرِ فَلَا تَنْفِرُ النَّفْسُ مِنْهُ، (وَيَسْهُلُ حِفْظُهُ وَفَهْمُهُ) أَيْ: يَسْهُلُ حِفْظُ مَبَانِيهِ وَفَهْمُ مَعَانِيهِ، إِذِ الْفَهْمُ: إِدْرَاكُ مَعْنَى الْكَلَامِ، قِيلَ: بِسُرْعَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ. (وَيَكُونَ مُقْنِعًا لِحَافِظِيهِ) أَيْ: يَقْنَعَ بِهِ حَافِظُهُ عَنْ غَيْرِهِ. (نَافِعًا لِلنَّاظِرِ فِيهِ) أَيْ: بِمُطَالَعَتِهِ. (وَاللَّهُ الْمَسْئُولُ أَنْ يُبَلِّغَنَا أَمَلَنَا، وَيُصْلِحَ قَوْلَنَا وَعَمَلَنَا، وَيَجْعَلَ سَعْيَنَا مُقَرِّبًا إِلَيْهِ وَنَافِعًا لَدَيْهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>