للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ أَثِمَ، وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ، وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

الْقَرِيبِ أَمْ عَلَى القَرِيبِ مُطْلَقًا؟ فِيهِ رِوَايَاتٌ أَرْبَعٌ، وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْحَجَّ أَفْضَلُ، وَأَنَّهُ مَذْهَبُ أَحْمَدَ.

١ -

(وَتُسْتَحَبُّ الصَّدَقَةُ بِالْفَاضِلِ عَنْ كِفَايَتِهِ، وَكِفَايَةِ مَنْ يُمَوِّنُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} [البقرة: ٢١٩] قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هُوَ الْفَاضِلُ عَنْ حَاجَتِهِ، وَحَاجَةِ عِيَالِهِ؛ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَطِيبُ بِهِ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَطْلَقَ الْمُؤَلَّفُ الْكِفَايَةَ تَبَعًا لِغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ دَائِمًا كَمَا ذَكَرَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَغَيْرِهِ بِمَتْجَرٍ أَوْ غَلَّةِ مِلْكٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ صَنْعَةٍ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي الْأَخِيرَيْنِ، (وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا يُنْقِصُ مُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتَهُ أَثِمَ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَإِثْمُهُ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ.

قَالَ الْأَصْحَابُ: وَكَذَا إِنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَرِيمِهِ أَوْ بِكَفَالَتِهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ إِنْ لَمْ يَضُرَّ، فَالْأَصْلُ الِاسْتِحْبَابُ، وَجَزَمَ فِي " الرِّعَايَةِ " وَغَيْرِهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّصَدُّقُ قَبْلَ الْوَفَاءِ وَالْإِنْفَاقِ الْوَاجِبِ.

١ -

(وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ) وَكَانَ مُنْفَرِدًا (وَهُوَ يَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ) وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الثِّقَةِ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ، وَالْيَأْسِ عَمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ، (وَالصَّبْرَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ) وَحَكَاهُ عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَئِمَّةِ الْأَمْصَارِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ» فَقَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَكَانَ هَذَا فضيلة فِي حَقِّ الصِّدِّيقِ لِقُوَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>