وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ، وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَلَهُ تَفْرِيقُهَا إِلَّا عِنْدَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْمُعَلَّقَةِ بِهِ مِنْ حُلُولِ الدَّيْنِ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ الْمُعَلَّقِينَ بِهِ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَاجِبٌ، وَعَنْهُ: يَدْخُلُ قَبْلَ فَجْرِهَا الثَّانِي رُوِيَ عَنِ اللَّيْثِ، وَاسْتَدَلَّ لَهُ «بِقَوْلِ عَائِشَةَ: كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ، ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِيهِ فَلَمْ يَجِبِ ابْتِدَاؤُهُ قَبْلَ شَرْطِهِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَدْخُلْ إِلَّا بَعْدَ الصُّبْحِ وَهُمْ يُوجِبُونَ الدُّخُولَ قَبْلَ ذَلِكَ، مَعَ أَنَّ اعْتِكَافَهُ كَانَ تَطَوُّعًا، وَالتَّطَوُّعُ مَتَى شَاءَ شُرِعَ. عَلَى أَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ، والليث وَإِسْحَاقَ، وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ فِيمَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ تَطَوُّعًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ، وَحُمِلَ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ يَوْمَ الْعِشْرِينَ لِيَسْتَظْهِرَ بِبَيَاضِ يَوْمٍ زِيَادَةً، وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَدْخُلُ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى (إِلَى انْقِضَائِهِ) لِدُخُولِهِ فِي مُسَمَّى نَذْرِهِ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ سِوَى الشَّهْرِ، وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُقْتَضَى نَذْرِهِ لَكِنْ إِذَا اعْتَكَفَ رَمَضَانَ، أَوِ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ، اسْتُحِبَّ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى الْمُصَلَّى، نَصَّ عَلَيْهِ، لِيَصِلَ طَاعَةً بِطَاعَةٍ.
(وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا، لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَذَكَرَهُ الْقَاضِي وَجْهًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَصِحُّ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِذَا أَطْلَقَهُ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ، وَكَقَوْلِهِ: لَا كَلَّمْتُ زَيْدًا شَهْرًا، وَكَمُدَّةِ الْعِدَّةِ وَالْإِيلَاءِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْكَفَّارَةِ تَأْكِيدًا، وَعَنْهُ: لَا، اخْتَارَهَا الْآجُرِّيُّ، وَصَحَّحَهَا ابْنُ شِهَابٍ وَغَيْرُهُ لِصِحَّةِ إِطْلَاقِهِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِهَذَا يَصِحُّ تَقْيِيدُهُ بِالتَّتَابُعِ بِخِلَافِ الْيَمِينِ وَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، وَلَا يَخْرُجُ إِلَّا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ أَيَّامِهِ، وَيَكْفِيهِ شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ بِلَيَالِيهِ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا بِلَيَالِيهِنَّ، وَثَلَاثِينَ لَيْلَةً فَإِنِ ابْتَدَأَهُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ تَمَّمَهُ إِلَى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ فِي الْيَوْمِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ، وَكَذَلِكَ إِنِ ابْتَدَأَهُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ تَمَّمَهُ إِلَى مَا ذَكَرْنَا إِنْ لَمْ يُعْتَبَرِ الصَّوْمُ، وَإِنِ اعْتَبَرَ فَثَلَاثِينَ لَيْلَةً صِحَاحًا بِأَيَّامِهَا الْكَامِلَةِ.
(وَمَنْ نَذَرَ أَيَّامًا مَعْدُودَةً) كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ عِشْرِينَ يَوْمًا (فَلَهُ تَفْرِيقُهَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute