فقال له بعضهم: أراك الله في أهلك وولدك مثل ما رأينا في أهلنا وأولادنا، فقد اطّرحت الدّيانة والمروءة بأن رضيت لبنات عمّك بمثل هذه الفضيحة، ولم يلحقك منهنّ امتعاض «١» ولا غيرة. فحلم عنه الحاكم وقال له: أنت أيها الشريف محرج «٢» ونحن حقيقون باحتمالك وإلا غضبنا عليك وزاد الأمر على الناس فيما يفجؤهم به حالا بعد حال من كلّ ما تنخرق به العادات وتفسد الطاعات.
ثم عنّ له أن يدّعى الرّبوبيّة، وقرّب رجلا يعرف بالأخرم ساعده على ذلك؛ وضمّ إليه طائفة بسطهم للأفعال الخارجة عن الدّيانة. فلمّا كان في بعض الأيام خرج الأخرم من القاهرة راكبا في خمسين رجلا من أصحابه، وقصد مصر ودخل الجامع راكبا دابّته، ومعه أصحابه على دوابّهم وقاضى القضاة ابن [أبى «٣» ] العوّام جالس فيه ينظر في الحكم، فنهبوا الناس وسلبوهم ثيابهم وسلّموا للقاضى رقعة فيها فتوى، وقد صدّرت باسم الحاكم الرّحمن الرّحيم. فلمّا قرأها القاضى رفع صوته منكرا، واسترجع وثار الناس بالأخرم وقتلوا أصحابه وهرب هو. وشاع الحديث فى دعواه الرّبوبيّة، وتقرّب إليه جماعة من الجهّال، فكانوا إذا لقوه قالوا: السلام عليك يا واحد يا أحد يا محيى يا مميت، وصارت له دعاة يدعون أوباش الناس، ومن سخف عقله إلى اعتقاد ذلك، فمال إليه خلق [كثير «٤» ] طمعا في الدنيا والتقرّب اليه. وكان اليهودىّ والنّصرانىّ إذا لقيه يقول: إلهى قد رغبت في شريعتى الأولى، فيقول الحاكم: افعل ما بدا لك، فيرتدّ عن الإسلام. وزاد هذا الأمر بالناس.