للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الليل، وكان له قوم ينتظرونه كلّ ليلة على باب القصر، فإذا ركب ركبوا معه ويتبعه أبو عروس صاحب العسس. ومن رسمه أن يطوف كلّ ليلة حول القصر في ألف رجل بالطبول الخفاف والبوقات البحرية. فإذا خرج الحاكم من باب القاهرة قال له: ارجع وأغلق الأبواب؛ فلا يفتحها حتّى يعود. وضجر الحاكم من تأخّره عن الركوب في تلك الليلة، ونازعته نفسه إليه؛ فسألته أمّه وقالت: نم ساعة، فنام ثمّ انتبه وقد بقى من الليل ثلثه، وهو ينفخ ويقول:

إن لم أركب الليلة وأتفرّج وإلّا خرجت روحى. ثمّ قام فركب حماره، وأخته تراعى ما يكون من أمره، وكان قصرها مقابل قصره، فإذا ركب علمت. ولمّا ركب سار في درب يقال له درب السباع «١» ، وردّ صاحب العسس ونسيما الخادم صاحب السّتر والسيف، وخرج إلى القرافة ومعه القرافىّ الرّكابىّ والصبىّ. فحكى أبو عروس صاحب العسس أنه لما صعد الجبل وقف على تلّ كبير ونظر إلى النجوم وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون! وضرب بيد على يد، وقال: ظهرت يا مشئوم «٢» ! ثمّ سار في الجبل، فعارضه عشرة فوارس من بنى قرّة، وقالوا: قد طال مقامنا على الباب، وبنا من الفاقة والحاجة ما نسأل معه حسن النظر والإحسان؛ فأمر الحاكم القرافىّ أن يحملهم إلى صاحب بيت المال ويأمره أن يعطيهم عشرة آلاف درهم؛ فقالوا له: لعلّ مولانا ينكر تعرّضنا له في هذا المكان فيأمر بنا بمكروه، ونحن نريد الأمان قبل الإحسان، فما وقفنا إلّا من الحاجة؛ فأعطاهم الأمان وردّ القرافىّ معهم؛ وبقى هو والصبىّ، فسار إلى الشّعب الذي جرت عادته بدخوله،