وقد كمن العبدان الأسودان له، وقد قرب الصّباح، فوثبا عليه وطرحاه إلى الأرض، فصاح: ويلكما! ما تريدان؟ فقطعا يديه من رأس كتفيه، وشقّا جوفه وأخرجا ما فيه، ولفاه في كساء، وقتلا الصبىّ، وحملا الحاكم إلى ابن دوّاس بعد أن عرقبا الحمار؛ فحمله ابن دوّاس مع العبدين إلى أخته ستّ الملك، فدفنته في مجلسها وكتمت أمره، وأطلقت لابن دوّاس والعبدين مالا كثيرا وثيابا. وأحضرت خطير «١» الملك الوزير وعرّفته الحال، واستكتمته واستحلفته على الطاعة والوفاء، ورسمت له بمكاتبة ولىّ العهد، وكان مقيما بدمشق نيابة عن الحاكم، بأن يحضر إلى الباب، فكتب إليه بذلك. وأنفذت علىّ بن داود أحد القوّاد إلى الفرما (وهى مدينة على ساحل البحر) فقالت له: إذا دخل ولىّ العهد فاقبض عليه، واحمله إلى تنيس، وقيل غير ذلك، كما سيأتى ذكره. ثمّ كتبت إلى عامل تنيّس عن الحاكم بإنفاذ ما عنده من المال، فأنفذه وهو ألف ألف دينار وألف ألف درهم، خراج ثلاث سنين.
وجاء ولىّ العهد إلى الفرما، فقبض عليه وحمل إلى تنّيس. وفقد الناس الحاكم فى اليوم الثانى، ومنع أبو عروس من فتح أبواب القاهرة انتظارا للحاكم، على حسب ما أمره به. ثمّ خرج الناس في اليوم الثالث إلى الصحراء وقصدوا الجبل فلم يقفوا له على أثر. وأرسل القوّاد إلى أخته وسألوها عنه؛ فقالت: ذكر لى أنّه يغيب سبعة أيام، وما هنا إلّا الخير، فأنصرفوا على سكون وطمانينة. ولم تزل أخته في هذه الأيّام ترتّب الأمور وتفرّق الأموال وتستحلف الجند؛ ثمّ بعثت إلى ابن دوّاس المذكور وأمرته أن يستحلف الناس لابن الحاكم كتامة وغيرها، ففعل ذلك. فلمّا كان