وكان الظاهر ينظر في مصالح الرعيّة بنفسه وفي إصلاح البلاد. فلمّا وقع الفناء فى ذوات «١» الأربع في سنة سبع عشرة وأربعمائة، منع الظاهر من ذبح البقر السليمة من العيوب التى تصلح للحرث وغيره، وكتب على لسانه كتاب قرئ على الناس، فمنه:
«إن الله تعالى بتتابع نعمته وبالغ حكمته، خلق ضروب الأنعام، وعمل فيها منافع الأنام؛ فوجب أن تحمى البقر المخصوصة بعمارة الأرض، المذلّلة لمصالح الخلق؛ فإنّ فى ذبحها غاية الفساد، وإضرارا للعباد والبلاد» . وأباح ذبح مالا يصلح للعمل ولا يحصل به النفع. فمنع الناس ذبح البقر، وحصل بذلك النفع التام.
ومات في أيّام الظاهر المذكور مبارك الأنماطىّ البغدادىّ التاجر، وكان له مال عظيم، وكان قد خرج من بغداد الى مصر فتوفّى بها في سنة سبع عشرة وأربعمائة، وكان معه ثلثمائة ألف دينار. فقال الظاهر: هل له وارث؟ فقيل: ماله سوى بنت ببغداد؛ فترك الظاهر المال كلّه للبنت ولم يأخذ منه شيئا.
وفي سنة عشرين وأربعمائة خرج على الظاهر بالبلاد الشاميّة صالح بن مرداس أسد الدولة وحسّان بن المفرّج بن الجرّاح، وجمعا الجموع واستوليا على الأعمال، وانتهيا الى غزّة. فجهز الظاهر لحربهما جيشا عليه القائد أنوشتكين منتخب الدولة التركىّ أمير الجيوش المعروف بالدّز برىّ «٢» ، فالتقى معهما؛ فانهزم حسّان بن