فانهزم المسلمون فنزلوا إلى البلد، وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى واجتمعوا بها، فهجموا عليهم وقتلوا فى الحرم مائة ألف وسبوا مثلهم، وقتلوا الشيوخ والعجائز وسبوا النساء، وأخذوا من الصخرة والأقصى سبعين قنديلا، منها عشرون ذهبا فى كلّ قنديل ألف مثقال، ومنها خمسون فضّة فى كلّ قنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم بالشامىّ، وأخذوا تنّورا من فضّة زنته أربعون رطلا بالشامىّ، وأخذوا من الأموال ما لا يحصى. وكان بيت المقدس منذ افتتحه عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فى سنة ستّ عشرة من الهجرة، لم يزل بأيدى المسلمين إلى هذه السنة. هذا كلّه وعسكر مصر لم يحضر، غير أنّ الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ صاحب أمر مصر لمّا بلغه أنّ الفرنج ضايقوا بيت المقدس خرج فى عشرين ألفا من عساكر مصر وجدّ فى السير، فوصل إلى القدس يوم ثانى فتحه ولم يعلم بذلك.
فقصده الفرنج وقاتلوه، فلم يثبت لهم ودخل عسقلان بعد أن قتل من أصحابه عدد كثير؛ فأحرق الفرنج ما حول عسقلان وقطعوا أشجارها، ثم عادوا إلى القدس. ثم عاد الأفضل إلى مصر بعد أمور وقعت له مع الفرنج. واستمرّ بيت المقدس مع الفرنج، فلا قوّة إلّا بالله.
وقال ابن القلانسىّ: إنّ أخذ المعرّة كان فى هذه السنة أيضا، وإنّه كان قبل أخذ بيت المقدس. قال: وزحف الفرنج فى محرم هذه السنة إلى سور المعرّة من الناحية الشرقيّة والشمالية، وأسندوا البرج إلى سورها، فكان أعلى منه. ولم يزل الحرب عليها إلى وقت المغرب من اليوم الرابع عشر من المحرّم، وصعدوا السور، وانكشف أهل البلد بعد أن تردّدت إليهم رسل الفرنج، وأعطوهم الأمان على نفوسهم وأموالهم وألّا يدخلوا إليهم، بل يبعثوا إليهم شحنة «١» فمنع من ذلك الخلف