للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم عاودتهم عقولهم بأنّ هذا لا يتمّ مع وجود الخليفة. وكاتبوا أباه بخلاف ذلك.

فسيّر أبوه تلك الكتب إليه؛ قال: لا تعتقد أن معك أحدا. فأوقع بعدّة من الأمراء، وأخذ ما فى آدرهم. وقصد أبوه الحافظ إضعافه وصرفه عن جرأته بغير فتك، ففسد أمره وافتقر إلى أبيه. وكان حسن المذكور سيّر بهرام الأرمنى المقدّم ذكره حاشدا له ليصل إليه بالأرمن، وكان هذا (بهرام) أميرهم وكبيرهم.

فلمّا لجأ حسن إلى أبيه الحافظ احتفظ به أبوه وحرص عليه. فلما علم من بقى من الأمراء، وهم على تخوّف منه، اجتمعوا على طلبه من أبيه ليقتلوه ويأمنوا أمره؛ فوقفوا ببين القصرين فى عشرة آلاف. فراسلهم الخليفة الحافظ بلين الكلام وتقبيح مرادهم من قتل ولده، وأنّه قد أزال عنهم أمره، وأنّ ضمانه عليه فى ألّا يتصرّف أبدا؛ ووعدهم بالزيادة فى الأرزاق والإقطاعات. فلم يقبلوا شيئا من ذلك بوجه؛ وقالوا: إمّا نحن وإمّا هو؛ وإن لم نتحقّق الراحة الأبديّة منه وإلّا فلا حاجة لنا بك أيضا ونخلع طاعتك. وأحضروا الأحطاب والنيران لتحريق القصر، وبالغوا فى الإقدام عليه. فلم يجد الخليفة من ينصره عليهم؛ لأنّهم أنصاره وجنده الذين يستطيل بهم على غيرهم. فألجأته الضرورة أنّه استصبرهم ثلاثة أيّام ليتروّى فيما يعمل فى حق ولده؛ فرأى أنّه لا ينفكّ من هذه المنازلة العظيمة التى لم ير مثلها إلّا أن يقتله مستورا ويحسم مادّته ويأمن مباينة عسكره، وأنّه لا يأمن هو على نفسه، وأنّه لا بدّ من التصرف بهم وفيهم، وأنّهم لا ينفكّون من المقام ببين القصرين على هذا الأمر إلّا بعد إنجازه. وكان لخاصته طبيبان يهوديّان يقال لأحدهما أبو منصور، وللآخر ابن قرقة «١» . وكان ابن قرقة خبيرا بالاستعمالات ذكيّا. فحضر إليه أبو منصور قبل ابن قرقة، ففاوضه الخليفة فى عمل السقية القاتلة لولده؛ فتحرّج من ذلك وأنكر معرفته،