الشهيد قصد بلادهم من الشام؛ فعند ذلك رجعت الفرنج وصالحوا أسد الدين شيركوه، فعاد أسد الدين إلى الشام وهو فى غاية من القهر.
وأقام شاور بالقاهرة على عادته يظلم ويقتل ويصادر الناس، ولم يبق للعاضد معه أمر ولا نهى. وأقام أسد الدين بدمشق فى خدمة نور الدين إلى سنة اثنتين وستين، فعاد بعساكر الشام إلى مصر ثانيا. وسببه أنّ العاضد لمّا غلب عليه شاور كتب إلى نور الدين يستنجده على شاور وأنّه قد استبدّ بالأمر وظلم وسفك الدم. وكان فى قلب نور الدين من شاور حرازة لكونه غدر بأسد الدين شيركوه واستنجد عليه بالفرنج. فخرج أسد الدين بعساكر الشام من دمشق فى منتصف شهر ربيع الأوّل من سنة اثنتين وستين المذكورة، وسار أسد الدين ومعه ابن أخيه صلاح الدين يوسف بن أيّوب حتّى نزل برّ الجيزة «١» غربىّ مصر على بحر النيل. وكان شاور قد أعطى الفرنج الأموال وأقطعهم الإقطاعات وأنزلهم دور القاهرة وبنى لهم أسواقا تخصّهم. وكان مقدّم الفرنج الملك مرّى وابن نيرزان.
فأقام أسد الدين على الجيزة شهرين، وعدّى إلى برّ مصر والقاهرة فى خامس عشرين جمادى الآخرة، وخرج إليه شاور والفرنج. ورتّب شاور عساكره، فجعل الفرنج على الميمنة مع ابن نيرزان، وعسكر مصر فى الميسرة، وأقام الملك مرّى الفرنجىّ فى القلب فى عسكره من الفرنج. ورتّب أسد الدين عساكره فجعل