كل ذلك تقرّر بين شاور والفرنج والعاضد لا يعلم بشىء منه. وسار بعض الفرنج إلى الساحل. وكان الملك العادل نور الدين محمود يخاف على مصر من غلبة الفرنج عليها، فسار بعساكره من دمشق وفتح المنيطرة «١» وقلاعا كثيرة؛ فخاف من كان بمصر من الفرنج. وبيناهم فى ذلك عاد الفرنج من الساحل إلى نحو مصر فى سنة أربع وستين، وطمعوا فى أخذها. وكان خروجهم من عسقلان والساحل إلى نحو مصر فى أوائل السنة، وساروا حتّى نزلوا بلبيس، وأغاروا على الريف وأسروا وقتلوا.
هذا وقد تلاشى أمر الديار المصرية من الظلم ولم يبق للعاضد من الخلافة سوى الاسم والخطبة لا غير.
فلمّا بلغ شاور فعل الفرنج بالأرياف، أخرج من كان بمصر من الفرنج بعد أن أساء فى حقّهم قبل ذلك، وقتل منهم جماعة كبيرة وهرب الباقون. ثم أمر شاور أهل مصر بأن ينتقلوا إلى القاهرة ففعلوا، وأحرق شاور مصر. وسار الفرنج من بلبيس حتّى نزلوا على القاهرة فى سابع صفر، وضايقوها وضربوها بالمجانيق. فلم يجد شاور بدّا أن كاتب الملك العادل نور الدين محمودا بأمر العاضد. وكان الفرنج لمّا وصلوا إلى مصر فى المرّتين الأوليين اطّلعوا على عوراتها وطمعوا فيها؛ وعلم نور الدين بذلك فأسرع بتجهيز العساكر خوفا على مصر. ثم جاءته كتب شاور والعاضد؛ فقال نور الدين لأسد الدين شيركوه: خذ العساكر وتوجّه إليها؛ وقال لصلاح الدين: اخرج مع عمّك أسد الدين؛ فامتنع وقال: يا مولاى، يكفى ما لقينا من الشدائد فى تلك المرّة.
فقال نور الدين: لا بدّ من خروجك؛ فما أمكنه مخالفة مخدومه نور الدين المذكور؛ فخرج مع عمّه، وساروا إلى مصر. وبلغ الفرنج ذلك فرجعوا عن مصر إلى الساحل.
وقيل: إن شاور أعطاهم مائة ألف دينار. وجاء أسد الدين بمن معه من العساكر