ونزل على باب القاهرة. فاستدعاه العاضد إلى القصر وخلع عليه فى الإيوان خلعة الوزارة ولقّبه بالمنصور، وسرّ أهل مصر بذلك. وقيل: إنّه لم يستدعه، وإنّما بعث إليه بالخلع والأموال والإقامات؛ وكذلك إلى الأمراء الذين كانوا معه. وأقام أسد الدين مكانه وأرباب الدولة يتردّدون إلى خدمته فى كلّ يوم، ولم يقدر شاور على منعهم لكثرة العساكر ولكون العاضد مائلا إلى أسد الدين المذكور. فكاتب شاور أيضا الفرنج واستدعاهم وقال لهم: يكون مجيئكم إلى دمياط «١» فى البحر والبرّ. فبلغ ذلك أعيان الدولة بمصر، فاجتمعوا عند الملك المنصور أسد الدين شيركوه وقالوا له:
شاور فساد العباد والبلاد، وقد كاتب الفرنج، وهو يكون سبب هلاك الإسلام. ثم إنّ شاور خاف لما تأخّر وصول الفرنج، فعمل فى عمل دعوة لأسد الدين المذكور ولأمرائه ويقبض عليهم. فنهاه ابنه الكامل وقال له: والله لئن لم تنته عن هذا الأمر لأعرّفنّ أسد الدين. فقال له أبوه شاور: والله لئن لم نفعل هذا لنقتلنّ كلّنا. فقال له ابنه الكامل: لأن نقتل والبلاد بيد المسلمين خير من أن نقتل والبلاد بيد الفرنج.
وكان شاور قد شرط لأسد الدين شيركوه ثلث أموال البلاد؛ فأرسل أسد الدين يطلب منه المال؛ فجعل شاور يتعلّل ويماطل وينتظر وصول الفرنج؛ فابتدره أسد الدين وقتله.
واختلفوا فى قتله على أقوال، أحدها أنّ الأمراء اتّفقوا على قتله لمّا علموا مكاتبته للفرنج، وأنّ أسد الدين تمارض، وكان شاور يخرج إليه فى كلّ يوم والطبل والبوق يضربان بين يديه على عادة وزراء مصر.- قلت: وعلى هذا القول يكون قول من قال: إنّ الغاضد خلع على أسد الدين شيركوه بالوزارة ولقّبه بالمنصور فى أوّل قدومه إلى مصر ليس بالقوىّ، ولعلّ ذلك يكون بعد قتل شاور، على ما سيأتى