ولده الأفضل، ولم يكن للقاضى الفاضل فى ذلك عادة فآنصرف، ودخلت إلى الإيوان القبلىّ وقد مدّ السّماط، وابنه الملك الأفضل قد جلس موضعه، فانصرفت وما كانت لى قوّة للجلوس استيحاشا له، وبكى فى ذلك اليوم جماعة تفاؤلا بجلوس ولده الأفضل موضعه. ثمّ أخذ المرض يترايد به من حينئذ، ونحن نلازم التردّد له طرفى النهار، وكان مرضه فى رأسه. وكان من أمارات انتهاء العمر غيبة طبيبه الذي كان قد عرف مزاجه سفرا وحضرا، ورأى الأطباء فصده ففصدوه فى الرابع، فاشتدّ مرضه وحلّت «١» رطوبات بدنه، وكان يغلب على مزاجه اليبس، فلم يزل المرض يتزايد به حتّى انتهى إلى غاية الضعف، واشتدّ مرضه فى السادس والسابع والثامن، ولم يزل يتزايد ويغيب ذهنه؛ ولمّا كان التاسع حدثت له غشية وامتنع من تناول المشروب، واشتدّ الخوف فى البلد؛ وخاف الناس ونقلوا أقمشتهم من الأسواق، وعلا الناس من الكآبة والحزن ما لا يمكن حكايته. ولمّا كان اليوم العاشر من مرضه أيس منه الأطبّاء. ثم شرع ولده الملك الأفضل فى تحليف الناس له. ثم إنّه توفّى- إلى رحمة الله تعالى- بعد صلاة الصبح من يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة. وكان يوم موته يوما لم يصب الإسلام والمسلمون بمثله بعد فقد الخلفاء الراشدين- رضى الله عنهم- وغشى القلعة والملك والدنيا وحشة لا يعلمها إلّا الله تعالى. وبالله لقد كنت أسمع من الناس أنّهم يتمنّون فداء من يعزّ عليهم بنفوسهم، وكنت أتوهّم أنّ هذا على ضرب من التجوّز والترخّص إلى ذلك اليوم، فإنّى علمت من نفسى ومن غيرى أنّه لو قبل الفداء لفدى