الغدر، فلمّا كان الآن ورأى القوم «١» قلة مع عقبة توثب، وكان في عسكر عقبة جماعة وافقوا كسيلة، ثم راسلته الروم فأظهر كسيلة منذ ذلك ما كان أضمر وجمع أهله وبني عمه وقصد عقبة؛ فقال أبو المهاجر لعقبة: عاجله قبل أن يقوى جمعه، وكان أبو المهاجر موثقاً في الحديد مع عقبة، فزحف عنه عقبة إلى كسيلة، فتنحى كسيلة عن طريقه ليكثر جمعه ويتعب عقبة؛ فلما رأى أبو المهاجر ذلك تمثل بقول أبي محجن الثقفىّ:
كفى حزناً أن تطعن «٢» الخيل بالقنا ... وأترك مشدوداً علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وأغلقت ... مصارع من دوني تصم المناديا
فبلغ عقبة ذلك، فأطلقه وقال له: الحق بالمسلمين فقم بأمرهم وأنا أغتنم الشهادة؛ فلم يفعل وقال «٣» : وأنا أيضاً أريد الشهادة؛ فكسر عقبة والمسلمون أجفان سيوفهم وتقدموا إلى البربر وقاتلوهم حتى قتل المسلمون جميعهم ولم يفلت منهم أحد، وأسر محمد بن أوس الأنصاري في نفر يسير فخلصهم صاحب قفصة وبعث بهم إلى القيروان، فعزم زهير بن قيس البلوي على القتال فلم يوافقه جيش الصنعاني وعاد إلى مصر وتبعه أكثر الناس من العساكر المصرية من جند سعيد صاحب مصر، فاضطر زهير إلى العود معهم فسار إلى برقة وأقام بها، وبعث يستمد المصريين، ووقع له أمور إلى أن ملك إفريقية في سنة تسع وستين.