بين يديه، وقال: ألم يكفك أنّك أعطيته دمشق حتّى تعطيه مصر! فنهض العزيز لوقته على غرّة ولحق بمصر.
قال الموفّق: ومات الملك الظاهر غازى قبله بسنتين فلم يتهنّ العادل بالملك من بعده، وكان كلّ واحد منهما ينتظر موت الآخر، فلم يصف للعادل العيش بعد موته، لأمراض لزمته بعد طول الصّحّة، والخوف من الفرنج بعد طول الأمن.
وخرجوا (يعنى الفرنج) إلى عكّا وتجمّعوا على الغور «١» ، فنزل العادل قبالتهم على بيسان «٢» ، وخفى عليه أن ينزل على عقبة أفيق «٣» ، وكانوا قد هدموا قلعة كوكب، وكانت ظهرهم، ولم يقبل من الجواسيس ما أخبروه بما عزم عليه الفرنج من الغارة، فاغترّ بما عوّدته المقادير من طول السلامة، فغشيت الفرنج عسكره على غرّة، وكان قد آوى إليه خلق من البلاد يعتصمون به، فركب مجدّا؛ وماج الفرنج فى أثره حتّى وصل دمشق على شفا وهمّ؛ فدخل إليها فمنعه المعتمد وشجّعه، وقال له: المصلحة أن تقيم بظاهر دمشق. وأمّا الفرنج فاعتقدوا أنّ هزيمته مكيدة فرجعوا من قرب دمشق بعد ما عاثوا فى البلاد قتلا وأسرا وعادوا إلى بلادهم، وقصدوا دمياط فى البحر فنازلوها.
وكان قد عرض له قبل ذلك ضعف وصار يعتريه ورم الأنثيين. فلمّا هزّته «٤» الحيل على خلاف العادة ودخله الرّعب، لم يبق إلّا مدّة يسيرة ومات بظاهر دمشق.
وكان مع حرصه يهين المال عند الشدائد غاية الإهانة ببذله. وشرع فى بناء قلعة