والاندفاع بين يدى الملك المظفّر إلى حيث يجيئه مدد من هولاكو ليقوى على ملتقى العسكر المصرىّ، ومنهم من أشار بغير ذلك وتفرّقت الآراء، فاقتضى رأى كتبغانوين الملتقى، وتوجّه من فوره لما أراد الله تعالى من إعزاز الإسلام وأهله، وإذلال الشّرك وحزبه، بعد أن جمع كتبغانوين من فى الشام من التّتار وغيرهم، وقصد محاربة المسلمين، وصحبته الملك السعيد [حسن «١» ] ابن الملك العزيز عثمان. ثم رحل الملك المظفّر قطز بعساكره من غزّة ونزل الغور بعين جالوت «٢» ، وفيه جموع التّتار فى يوم الجمعة خامس عشرين شهر رمضان، ووقع المصافّ بينهم فى اليوم المذكور، وتقاتلا قتالا شديدا لم ير مثله حتّى قتل من الطائفتين جماعة كثيرة وانكسرت ميسرة المسلمين كسرة شنيعة، فحمل الملك المظفّر- رحمه الله- بنفسه فى طائفة من عساكره وأردف الميسرة حتّى تحايوا وتراجعوا، واقتحم الملك المظفّر القتال وباشر ذلك بنفسه وأبلى فى ذلك اليوم بلاء حسنا، وعظم الحرب وثبت كلّ من الفريقين مع كثرة التتار. والمظفّر مع ذلك يشجّع أصحابه ويحسّن إليهم الموت، وهو يكرّ بهم كرّة بعد كرّة حتّى نصر الله الإسلام وأعزّه، وانكسرت التّتار وولّوا الأدبار على أقبح وجه بعد أن قتل معظم أعيانهم وأصيب مقدّم العساكر التّتاريّة كتبغانوين، فإنّه أيضا لمّا عظم الخطب باشر القتال بنفسه فأخزاه الله تعالى وقتل شرّ قتلة. وكان الذي حمل عليه وقتله الأمير جمال الدين آقوش الشّمسىّ- رحمه الله تعالى- وولّوا التّتار الأدبار لا يلوون على شىء، واعتصم منهم طائفة بالتلّ المجاور لمكان الوقعة، فأحدقت بهم العساكر وصابروهم على القتال حتّى أفنوهم قتلا، ونجا من نجا. وتبعهم الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارىّ فى جماعة من الشّجعان إلى أطراف البلاد؛