ظهور الأمير حسام الدين لاچين وعدم قتله؛ فإنّه كان ممّن باشر قتل أستاذهم الملك الأشرف خليل، فحماه الأمير كتبغا ورعاه، وأيضا قد بلغهم خلع أخى أستاذهم الملك الناصر محمد بن قلاوون من السلطنة وسلطنة كتبغا فتزايدت وحشتهم وترادفت عليهم الأمور، فاتّفقوا ووثبوا فلم ينتج أمرهم. فلمّا أصبح الصباح قبض عليهم الأمير كتبغا وقطع أيدى بعضهم وأرجلهم وكحّل البعض وقطع ألسنة آخرين وصلب جماعة منهم على باب زويلة؛ ثم فرّق بقيّة المماليك على الأمراء والمقدّمين، وكانوا فوق الثلاثمائة نفر وهرب الباقون؛ فطلب الأمير زين الدين كتبغا الخليفة والقضاة والأمراء وتكلّم معهم فى عدم أهليّة الملك الناصر محمد للسلطنة لصغر سنّه، وأنّ الأمور لابدّ لها من رجل كامل تخافه الجند والرعيّة وتقف عند أوامره ونواهيه.
كلّ ذلك كان بتدبير لاچين فإنّه لمّا خرج من إخفائه علم أنّ المماليك الأشرفيّة لا بدّ لهم من أخذ ثار أستاذهم منه. وأيضا أنّه علم أنّ الملك الناصر محمد متى ترعرع وكبر لا يبقيه لكونه كان ممّن قتل أخاه الملك الأشرف خليلا، فلمّا تحقق ذلك أخذ يحسّن للأمير كتبغا السلطنة وخلع ابن استاذه الملك الناصر محمد بن قلاوون وسلطنته، وكتبغا يمتنع من ذلك فلا زال به لاچين حتّى حذّره وأخافه عاقبة ذلك، وقال له:
متى كبر الملك الناصر لا يبقيك البتّة، ولا يبقى أحدا ممّن تعامل على قتل أخيه الملك الأشرف، وأنّ هؤلاء الأشرفيّة ما دام الملك الناصر محمد فى الملك شوكتهم قائمة، والمصلحة خلعه وسلطنتك. فمال كتبغا إلى كلامه، غير أنّه أهمل الأمر وأخذ فى تدبير ذلك على مهل. فلمّا وقع من الأشرفيّة ما وقع وثب وطلب الخليفة والقضاة حسب ما ذكرناه. ولمّا حضر الخليفة والقضاة واتّفق رأى الأمراء والجند على خلع السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون من الملك وسلطنة كتبغا هذا عوضه؛ فوقع ذلك وخلع الملك الناصر محمد من السلطنة وتسلطن كتبغا وجلس على تخت الملك