وفيها العنبر الفائق وأنواع من الطّيب. ثم إنّه قال: ارفعوا هذا عنّى، وأسرّ إلى خادم كلاما؛ فمضى وأتى بحقّ ففتحه وأقبل يشمّه وقمنا من عنده ثم إنه مات، فسألنا ذلك الخادم فيما بعد: ما كان فى ذلك الحقّ؟ قال: شعرة من است الراهب الفلانىّ الذي كان له كذا كذا سنة ما لمس الماء ولا قربه. قال فأنشدت:
ما يقبض الموت نفسا من نفوسهم ... إلّا وفى يده من نتنها عود
وفيها توفّى الأمير عزّ الدين أيبك بن عبد الله الأفرم الكبير أمير جاندار الملك الظاهر والملك السعيد والملك المنصور قلاوون. فلمّا تسلطن الملك الأشرف خليل ابن قلاوون حبسه، وبعد قتل الأشرف خليل أخرجه أخوه الملك الناصر محمد ابن قلاوون وأعاده إلى مكانته؛ ثم استقرّ فى أيام الملك العادل كتبغا على حاله إلى أن مات بالقاهرة فى يوم السبت «١» سابع شهر ربيع الأوّل.
قال القطب اليونينىّ: حكى لى الأمير سيف الدين بن المحفّدار قال: أوصى الأفرم عند موته أنه إذا توفّى يأخذون خيله يلبسونها أفخر مالها من العدّة، وكذلك جميع مماليكه وغلمانه يلبسونهم عدّة الحرب، وأن تضرب نوبة الطبلخاناه خلف جنازته، كما كان يطلع إلى الغزاة، وألّا يقلب له سنجق ولا يكسر له رمح، ففعلوا أولاده ما أمر به ما خلا الطبلخاناه، فإنّ نائب السلطنة حسام الدين لاچين منعهم من ذلك، وكانت جنازته حفلة حضرها السلطان ومن دونه. وكان ديّنا من وسائط الأخيار وأرباب المعروف. وكان يقال: إنه يدخل عليه من أملاكه وضماناته وإقطاعاته كلّ يوم ألف دينار خارج عن الغلال.