ابن قرا سنقر السلطان بما جرى من أبيه وقبجق وأسندمر، وأنهم اجتمعوا فى حلب وتحالفوا بأنّهم مقيمون على الأيمان التى حلفوها للملك الناصر، ثم دفع له الكتب الثلاثة فقرأها، ثم قال: يا محمد، ما لهم قدرة على ما اتّفقوا عليه، فإنّ كلّ من فى مصر والشام قد اتّفقوا على سلطنة بيبرس، فلما سمع ابن قراسنقر ذلك حلف بأنّ كلّ واحد من هؤلاء الثلاثة كفء لأهل مصر والشام، ومولانا السلطان أخبر بذلك منّى، فتبسّم السلطان وقال صدقت يا محمد، ولكن القائل يقول:
كن جريا إذا رأيت جبانا ... وجبانا إذا رأيت جريّا
لا تقاتل بواحد أهل بيت ... فضعيفان يغلبان قويّا
وهذه البلاد كلّها دارت مع بيبرس ولا يتمّ لنا الحال إلّا بحسن التدبير والمداراة والصبر على الأمور. ثم إنّه أنزله فى موضع وأحسن إليه، وقال له: استرح اليوم وغدا ثم سافر، فأقام يومين ثم طلبه الملك الناصر فى صبيحة اليوم الثالث وأعطاه جواب الكتب، وقال له: سلّم على أبى (يعنى على قرا سنقر) وقل له: اصبر، ثم خلع عليه خلعة سنيّة وأعطاه ألف دينار مصريّة، وخلع على معن النّجاب الذي أتى به أيضا وأعطاه ألف درهم؛ فخرج ابن قرا سنقر والنّجاب معه، وأسرعا فى السير إلى أن وصلا إلى حلب، فدخل ابن قرا سنقر إلى أبيه ودفع له كتاب الملك الناصر ففتحه فإذا فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم: حرس الله تعالى نعمة المقرّ العالى الأبوىّ الشمسىّ ومتّعنا بطول حياته، فقد علمنا ما أشار به وما عوّل عليه، وقد علمنا قديما وحديثا أنّه لم يزل على هذه الصورة، وأريد منك أنّك تطوّل روحك علىّ، فهذا الأمر ما ينال بالعجلة لأنّك قد علمت انتظام أمراء مصر والشام فى سلك واحد ولا سيّما الأفرم ومن معه من اللئام، فهذه عقدة لا تنحلّ إلّا بالصبر، وإن حضر إليك أحد