فلمّا انفضّ الناس أخرج الشهاب إليه كتاب منطاش الذي بقتل برقوق، فأخذه الكجكنى منه ليكون له حجّة عند قتله السلطان برقوق، ووعده بقضاء الشغل، وأنزل الشهاب بمكان قلعة الكرك قريبا من الموضع الذي فيه الملك الظاهر برقوق، بعد أن استأنس به، ثم قام الكجكنى من فوره ودخل إلى الملك الظاهر برقوق ومعه كتاب منطاش الذي بقتله، فأوقفه على الكتاب، فلمّا سمعه الملك الظاهر كاد أن يهلك من الجزع، فخلف له الكجكنى بكل يمين أنه لا يسلّمه لأحد ولو مات، وأنه يطلقه ويقوم معه، وما زال به حتى هدأ ما به، وطابت نفسه، واطمأنّ خاطره.
هذا وقد اشتهر في مدينة الكرك بمجيء الشهاب بقتل الملك الظاهر برقوق لخفّة كانت في الشهاب المذكور، وأخذ القاضى عماد الدين يخوّف أهل الكرك عاقبة قتل الملك الظاهر برقوق وينفّرهم عن الشهاب حتى خافوه وأبغضوه، وكان عماد الدين مطاعا في أهل بلده، مسموع الكلمة عندهم لما كانوا يعهدون من عقله وحسن رأيه، وثقل الشهاب على أهل الكرك إلى الغاية، وأخذ الشهاب يلحّ على الأمير حسام الدين نائب الكرك في قتل الملك الظاهر برقوق، وبقى النائب يسوّف به من وقت إلى وقت، ويدافعه عن ذلك بكلّ حجّة وعذر فزاد الشهاب فى القول حتى خاشنه في اللفظ، فعند ذلك قال له الكجكنى: هذا شىء لا أفعله بوجه من الوجوه حتى أكتب إلى مصر بما أعرفه وأسأل عن ذلك ممّن أثق به من أصحابى من الأمراء.
ثمّ أرسل البريد إلى مصر أنه لا يدخل في هذا الأمر، ولكن يحضر إليه من يتسلّمه منه ويفعل فيه ما يرسم له به، وكان في خدمة الملك الظاهر غلام من أهل الكرك يقال له: عبد الرحمن، فنزل إلى جماعة في المدينة وأعلمهم أن الشهاب قد حضر،