قلت: هذا الذي كان أشار إليه الوالد عند استقراره بغزّة فى نيابة دمشق، وقوله: إن أهل دمشق عندهم قوّة لدفع تيمور عن دمشق، وأن دمشق بلد كثيرة الميرة والرّزق، وهى فى الغاية من التحصين، وأنه يتوجّه إليها ويقاتل بها تيمور، فلم يسمع له أحد فى ذلك، فلعمرى لو رأى من لا أعجبه «١» كلام الوالد قتال أهل دمشق الآن وشدّة بأسهم وهم بغير نائب ولا مدبّر لأمرهم، فكيف ذاك لو كان عندهم متولّى أمرهم بمماليكه وأمراء دمشق وعساكرها بمن انضاف إليهم لكان يحق له الندم والاعتراف بالتقصير. انتهى.
ولما سمع أهل دمشق كلام أصحاب تيمور فى الصلح وقع اختيارهم فى إرسال قاضى القضاة تقى الدّين إبراهيم بن [محمد بن «٢» ] مفلح الحنبلى، فأرخى من سور دمشق إلى الأرض، وتوجّه إلى تيمور واجتمع به وعاد إلى دمشق، وقد خدعه تيمور بتنميق كلامه، وتلطّف معه فى القول، وترفق له فى الكلام، وقال له: هذه بلدة الأنبياء والصحابة، وقد أعتقتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة عنّى وعن أولادى، ولولا حنقى من سودون نائب دمشق عند قتله لرسولى ما أتيتها، وقد صار سودون المذكور فى قبضتى وفى أسرى، وقد كان الغرض فى مجيئى إلى هنا، ولم يبق لى الآن غرض إلا العود، ولكن لا بدّ من أخذ عادتى من التّقدمة من الطّقزات.
وكانت هذه عادته إذا أخذ مدينة صلحا يخرج إليه [أهلها «٣» ] من كل نوع من أنواع المأكول والمشروب والدوابّ والملابس والتّحف تسعة؛ يسمّون ذلك طقزات، والطّقز باللّغة التركيّة: تسعة، وهذه عادة ملوك التتار إلى يومنا هذا.