أيضا إلى الديار المصرية بعد ذلك بعشرة أيام، يخبران بأنهما حاربا الأمير نوروزا الحافظىّ وهزماه، وأنه لحق بطرابلس، وأنهما دخلا دمشق وأقاما بها أياما، ثم إن جكم خرج من دمشق لقتال نوروز الحافظى بطرابلس، وتبعه شيخ، فلما بلغ نوروزا ذلك خرج من طرابلس إلى حماة، ونزل جكم وشيخ على حمص، ثم سارا إلى طرابلس، ففرّ منها نائبها الأمير بكتمر جلّق، فوصل جكم وشيخ إلى طرابلس، وبلغ الأمير علّان جلق نائب حلب نزول نوروز وبكتمر جلّق إلى حماة، فخرج بعساكره من حلب، وقدم عليهما ووافقهما على قتال جكم وشيخ.
ولما وصل هذا الخبر إلى الديار المصرية، عظم على الأتابك بيبرس وحاشيته انهزام نوروز من جكم وشيخ إلى الغاية، وسر بذلك يشبك وحاشيته فى الباطن، وكثر قلق يشبك وأصحابه من الأمراء على الملك الناصر فرج، لاسيما لما مرض الملك المنصور عبد العزيز فى يوم الثلاثاء أول جمادى الآخرة، فلما رأى سعد الدين إبراهيم ابن غراب أمر يشبك الشعبانىّ فى إدبار عزّ عليه ذلك، لأن يشبك المذكور كان هو الذي أقامه بعد موت الملك الظاهر برقوق، وقام بمساعدته أعظم قيام، حتى كان من أمر ابن غراب ما كان، فعند ذلك أعلمه ابن غراب بأمر الملك الناصر مفصلا، وأنه عنده مقيم من يوم تسحب من قلعة الجبل، وقال له: أى وقت تشتهى الاجتماع به فعلت لك ذلك، فسرّ يشبك بذلك غاية السرور، وأعلم إخوته وحواشيه بما وقع، وأخذ من يومه فى تدبير أمر الملك الناصر فرج، وظهوره وعوده إلى ملكه فى الباطن، حتى استحكم أمرهم، ووافق ذلك مرض الملك المنصور عبد العزيز، فقويت حركتهم، وكثرت القالة بين الناس فى أمر الملك الناصر وعوده إلى الملك، وتحقّق كلّ أحد أنه مقيم بالديار المصرية، وصارت أخباره تأتى يشبك وأصحابه مياومة ومساعاة، هذا بعد أن اجتمع عليه يشبك وغيره من الأمراء فى اللّيل غير مرة، وواعدوه، وتردّدوا إليه فى أماكن عديدة، كلّ ذلك وبيبرس ورفقته لا يعرفون ما الخبر، بل يتحقّقون أنه مقيم بالقاهرة لاغير، وأنّ له عصبية كبيرة من الأمراء، ومع ذلك