قلوبهم مطمئنة أنّ القلعة بيدهم والسلطان عندهم، وأن الناصر أمره تلاشى واضمحل.
فلما كان يوم الجمعة رابع جمادى الآخرة من سنة ثمان وثمانمائة المذكورة، سعى المماليك بعضهم إلى بعض، وكثر هرجهم، وعادت خيول كثيرة من الربيع، وصاروا يركبون جمعا كبيرا ويتسارّون بالكلام، وبلغ ذلك بيبرس ورفقته، فأمرهم بيبرس وإينال باى بن قجماس بالفحص عن أخبارهم، فخرج جماعه كبيرة منهم وداخلوا المماليك المذكورة فى كلام الناصر، فلم يقفوا له على خبر، وعمّى عليهم جميع أحوال الملك الناصر، غير أنهم علموا أنّ الملك الناصر يريد الظهور والعود إلى الملك فاضطرب أمرهم، وحرّضوا بعضهم بعضا على قتاله إن خرج، وتهيئوا لذلك، وحصنوا القلعة، وطلبوا جماعة كبيرة من المماليك السلطانية، ووعدوهم بالأمريّات والإقطاعات والوظائف، وحذروهم من عود الملك الناصر إلى الملك؛ أنه لا يبقى على أحد منهم، وتواصوا على القيام مع الملك المنصور عبد العزيز وإتمام أمره، كلّ ذلك وأحوالهم مفلولة، لعدم أهلية بيبرس بتنفيذ الأمور، ومعرفة الحروب، والقيام بأعباء الملك؛ لانهماكه فى اللذات، ولانعكافه على اللهو والطرب عمره كلّه، لا يميل لغير ذلك، ومنذ مات خاله الملك الظاهر برقوق لم يدخل بنفسه فى أمر غير هذا المعنى المذكور، ولسان حاله ينشد ويقول:[موشح]
قلت: وليته دام على ما كان عليه من لهوه وطربه، ولم يدخل بنفسه فى هذه المضايق التى ذهبت فيها روحه، وأما رفيقه إينال باى فإنه كان فيه طيش وخفة مع عدم تدبير ومعرفة، وأيضا لو علم ذلك كله، لم يكن أهلا إلى القيام بمثل هذا الأمر مع وجود من هو أعظم منه فى النفوس، وأكبر منه قدرا، وهم جماعة كبيرة، فلهذا كله لم ينتج أمرهم، وزال ملك الملك المنصور عبد العزيز بعد ما كان تمّ أمره، وقطع الناصر آماله من الملك.