قلت: وما وقع للملك النّاصر من قتله وإلقائه على المزبلة ممّا يدلّ على قلة مروءة القوم، وعدم حفظهم ومراعاتهم لسوابق نعمه عليهم، ولحقوق تربية والده الملك الظاهر برقوق عليهم، ونفرض أنّه أساء لهم وأراد قتلهم، وكان مجازاته عن ذلك بالقتل، وهو غاية المجاراة، فكان الأليق بعد قتله إخفاء أمره ومواراته، كما فعل غيرهم بمن تقدّم من الملوك، فإنّه قد حصل مقصودهم بقتله وزيادة. حتىّ إنّ الذي- والعياذ بالله تعالى- يقع فى الكفر تضرب عنقه ثمّ يؤخذ ويدفن، وأيضا فمراعاة السّلطنة وناموس الملك مطلوب من كلّ واحد، والملوك لهم غيرة على الملوك ولو كان بينهم العداوة والخصومة، وقد رأيت فى تاريخ الإسلام فى ترجمة الخليفة محمد المهدىّ بن الرّشيد هارون العبّاسىّ أنه سأل بعض جلسائه عن أحوال الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بن مروان الأموىّ، فقال له بعض من حضر:
وما السّؤال عنه يا أمير المؤمنين؟! كان رجلا فاسقا زنديقا.
فلمّا سمع الخليفة المهدىّ كلامه نهره وقال له: صه، خلافة الله أجلّ أن يجعلها فى زنديق، وأقامه من مجلسه.
وكان الوليد كما قال الرّجل، غير أنّ المهدىّ غار على منصب الخلافة فقال ذلك مع علمه بحال الوليد، فلعمرى أين فعل هؤلاء من قول المهدىّ؟! ...
مع أنّ خلفاء بنى العبّاس كانوا أشدّ بغضا لخلفاء بنى أميّة من بغض هؤلاء للملك النّاصر، غير أنّ العقول تتفاوت وتتفاضل، والأفعال تدلّ على شيم الفاعل- انتهى.
ومات الملك الناصر وله من العمر أربع وعشرون سنة وثمانية أشهر وأيام،