البلاد الشّاميّة ومعه تقاليد النّوّاب الخليفتيّة باستمرارهم على عادتهم بما قرر الأمير نوروز برضاه.
ثم فى يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة، مات الأمير بكتمر جلّق من مرض تمادى به نحو الشهرين؛ أصله من عقرب لسعته وهو قادم صحبة الخليفة والعساكر إلى الدّيار المصرية بالرّمل، فاشتد ألمه منها وأخذته الحمّى، ثم خرج من سيّئ إلى سيّئ إلى أن مات، فنزل الأتابك شيخ راكبا وجميع الأمراء الخاصّكيّة مشاة حتى صلّى عليه بمصلّاة المؤمنى من تحت القلعة، وعاد إلى باب السلسلة من غير أن يشهد دفنه، وهو فى غاية السّرور، وقد صفا له الوقت بموت بكتمر المذكور، فإنّه كان عليه أشد من نوروز، وصرّح شيخ بعد موته بما كان يستكتمه من الوثوب على الأمراء، وخلاله الجوّ، ولمّا بلغ نوروزا موته كاد أن يهلك، وعلم بما سيكون من أمر شيخ.
ثم استقر القاضى ناصر الدين بن البارزىّ موقّع الأتابك شيخ بقراءة القصص على مخدومه الأتابك شيخ، فانحطّ بذلك قدر فتح الدين فتح الله كاتب السر، وصار فى وظيفته كالمعزول عنها، وقلّ ترداد الناس إليه، وكثر تردادهم إلى باب القاضى ناصر الدين بن البارزىّ لقضاء حوائجهم.
ولما عظم أمر الأتابك شيخ بعد موت بكتمر، ورأى أن الجوّ قد خلاله وما ثمّ مانع من سلطنته طلب الأمراء وكلّمهم فى ذلك، فأجاب الجميع بالسّمع والطّاعة- طوعا وكرها- واتفقوا على سلطنته.
فلما كان يوم الاثنين مستهل شعبان، وعمل الموكب عنده على عادته بالإسطبل السلطانىّ، واجتمع القضاة الأربعة قام فتح الله كاتب السر على قدميه فى الملأ وقال لمن حضر: إن الأحوال ضائقة ولم يعهد أهل نواحى مصر اسم خليفة، ولا تستقيم الأمور إلا بأن يقوم سلطان على العادة، ودعاهم إلى الأتابك شيخ المحمودىّ، فقال شيخ المذكور: هذا لا يتمّ إلا برضاء الجماعة، فقال من حضر بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، فمدّ قاضى القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقينىّ يده